مرت شهور على انفجار فضيحة التحرش داخل معسكر المنتخب المغربي للملاكمة دون أن تحرك الجامعة الملكية المغربية للعبة ساكنا، بل عمدت إلى طي ملف لازال يؤرق بطلات مثلن المغرب ورفعن رايته خفاقة في الملتقيات العالمية، ويشغل أولياء أمورهن لاسيما بعد الصمت الرهيب الذي تعاطت معه الجامعة مع الملف.
الوزن العاري يفجر فضيحة في المنتخب
بدأت الحكاية في غرفة مدرب المنتخب المغربي النسوي للملاكمة بالمعهد الملكي للرياضات مولاي رشيد ضواحي سلا، خلال عملية الوزن التي تخضع لها الملاكمات، وضع المدرب الميزان في غرفته وكلما دخلت ملاكمة للغرفة وتوجهت نحو الميزان الذي يضبط أوزان المنافسات ومدى احترام البطلات لأصناف التباري، إلا وطلب منهن المدرب إزالة ملابسهن بالكامل أمام استغراب البطلات، كانت مبرراته وراء «العري» التام الاطمئنان على نمو العضلات فضلا عن التأكد من الوزن الدقيق.
في معسكر المنتخب المغربي تداولت البطلات قصة «الميزان» وإصرار المدرب على الوزن بأجساد عارية، ووصل الأمر إلى أولياء أمورهن، ما جعل أحدهم يربط الاتصال بعضو جامعي ليخبره بالتحرش الجنسي الذي يعرفه المعسكر.
أشعر رئيس الجامعة الملكية المغربية للملاكمة بالنازلة، وكان يتواجد حينها في فرنسا حيث يخضع للعلاج، وأعطى تعليماته لتقصي الحقائق في سرية تامة وموافاته بتقرير مفصل، وعلى الفور تم إشعار المدير التقني للجامعة بالقضية من طرف نائب الرئيس كما حضر أمين المال وتم الاتفاق على زيارة المنتخب النسوي للملاكمة في معهد مولاي رشيد والاستماع للمعنيات وكذا المدرب.
لم تكتمل جلسة الاستماع واعتبر البعض أن المنتخب الوطني هيئة مستقلة عن الأعضاء الجامعيين، وغيرت الإدارة التقنية النقاش، وتحت ذريعة مرض الرئيس وسمعة المنتخب حاول بعض المدربين والملاكمين إقبار الملف، وضرب سرية التحريات في الصميم.
تسريبات صوتية تكشف سلوكات مدرب المنتخب
تفجرت القضية وخرجت عن طوع الإدارة التقنية وبعض الأعضاء الذين كانوا يراهنون على «ستر» الفضيحة، وبدأت محاولات تكميم أفواه الضحايا خاصة بعد أن تداول الملاكمون والملاكمات سرا وعلانية مضامين تسريبات هاتفية تجمع على السلوكات الغريبة لمدرب المنتخب النسوي. وعلى الرغم من محاولات هذا الأخير المنتمي لفريق رئيس الجامعة الملكية المغربية الاستعانة بالإدارة التقنية وبعض الأعضاء لطمس معالم الفضيحة إلا أن التسريبات خرجت عن السيطرة.
أمام صمت الجامعة ومحاولة طمس الملف، خاصة في ظل ظرفية جائحة كورونا التي قلصت عدد التجمعات التحضيرية للمنتخب المغربي، لم تجد البطلات بدا من إفشاء الخبر ودخل أولياء أمورهن على الخط إضافة لمدربيهم في الأندية.
طالب شقيق البطلة (و.أ) بتوقفها عن حضور معسكرات للمنتخب المغربي مادام المدرب الذي يفترض أن يكون مربيا وحريصا على سلامة بطلات تحت عهدته هو الذي يتحرش بهن، ووجه والد البطلة (و.ب) تسجيلا صوتيا يتضمن رسالة موجهة لرئيس الجامعة الملكية المغربية للملاكمة ينبهه فيها بالسلوكات التي تتعرض لها ابنته ومجموعة من البطلات على يد مدربهن وهدد والد البطلة التابعة لنادي إنيرجيك باللجوء إلى القضاء في حالة استمرار الصمت. رسالة صوتية أخرى من والد البطلة (م.ي) يحذر فيها من خطورة هذا الانفلات، ويطالب الجامعة بالتدخل الفوري وترميم المعنويات المكسورة لبطلات أصبح المدرب يشكل لهن رعبا حقيقيا، وأضحت أجسادهن في خطر ممن يفترض أن يكون مربيا، كما ورد في تسجيلات الآباء.
تعددت الرسائل الصوتية والنصية من الآباء والمدربين لرئيس الجامعة الملكية المغربية بغية التدخل الفوري، بل إن بعض الملاكمات شعرن بوجود حصانة للمدرب الذي ظل يواصل تحرشه دون أي رادع، ما دفع الملاكمات إلى التفكير الجدي في مقاطعة معسكرات المنتخب المغربي. وقالت بطلة متدمرة إن مجرد دعوة أي ملاكمة لحضور عملية الوزن يجبرها على تشغيل كاميرا هاتفها حتى تسجل ما يدور بينها وبين المدرب الذي لا يستقيم حاله إلا إذا شاهد الجسد عاريا بدعوى دقة الوزن أولا وملاحظة نمو عضلات الساقين والفخذين.
تقرير صادم انتهى بتوقيف كاتبه
فور عودته من رحلة علاج إلى فرنسا عقد جواد بلحاج رئيس الجامعة الملكية المغربية للملاكمة اجتماعا طارئا في مقر معهد مولاي رشيد، وعين من جديد لجنة أخرى، وتبين من خلال ذلك استخفاف في التعامل مع قضية بهذه الخطورة.
تقول إحدى البطلات لـ «تيلي ماروك» إن أمين مال الجامعة طلب من الملاكمات كتابة ما يتعرضن له في ورق بخط اليد، لكن الملاكمات فضلن الحديث المباشر، فشرع أمين المال في تسجيل حكاياتهن لكن ما أن تذكر إحداهن واقعة التحرش أو اسم المدرب حتى يوقف التسجيل، «حينها شعرنا بأن أمين المال الذي يجب أن يهتم بالجوانب المالية يعمل على طمس الحقائق».
كلف رئيس الجامعة للمرة الثالثة لجنة الملاكمة النسائية برئاسة محمد النيش، في إطار اختصاصاتها، بالتحري في النازلة ويقول التقرير: «تم استنطاق ثلاث ملاكمات بينما تعذر الاستماع لباقي المشتكيات، وذلك بحضور المدير التقني للجامعة، وأكدت (م.ي) أن محتوى التسجيلات الصوتية المسجلة حقيقية واشتكت من مغازلة المدرب لها. وقالت (و.ب) إن المدرب طالبها بخلع ملابسها في حجرته لتأمل وفحص عضلات جسدها وإخضاعها للوزن عارية. وفي استنطاق (أ.ع) أكدت نفس الرواية الواردة في التسجيلات الصوتية وقالت إن المدرب يريدهن عاريات خلال الوزن».
وجاء في تقرير اللجنة إنه قد تعذر الاستماع للملاكمة (ف.أ) وذلك بسبب الضغوطات التي خضعت لها وصغر سنها، وأنها اختفت عن الأنظار قبل إخضاعها للاستنطاق. كما تعذر الاستماع للبطلة (د.ت) لتدمرها من الوضع داخل المنتخب وقررت الانسحاب نهائيا من الفريق الوطني.
وحسب التقرير فإن المدرب (ن.ب) رفض الإدلاء بأقواله والجلوس أمام لجنة تقصي حقيقة ما يحصل في معسكر المنتخب، رغم وجوده في المعهد الرياضي. وخلص التقرير إلى مطالبة رئيس الجامعة بإبعاد المدرب المعني عن المنتخب «لاحتواء» المشاكل الداخلية لأسرة الملاكمة، وإسناد مهمة تدريب المنتخب النسوي لإحدى البطلات السابقات.
لم تأخد الجامعة تقرير لجنة الملاكمة النسوية مأخذ الجد، بل قررت توقيف النادي الذي ينتمي إليه محمد النيش «إنيرجيك» والذي تنتمي إليه بطلتان من ضحايا التحرش، وظل المدرب يمارس مهامه دون أن يطاله الحساب، أمام صمت رهيب لرؤساء العصب الجهوية وأعضاء المكتب الجامعي.