شوف تشوف

الرأيالرئيسيةرياضة

شكرا للضباب

 

 

حسن البصري

 

قدر لي أن أرافق المنتخب المغربي في نهائيات كأس إفريقيا 2002 التي أقيمت آنذاك في مالي، وعاد منها مهزوما مكسور الوجدان، بعد الإقصاء من الدور الأول.

تخلف عن رحلة العودة من باماكو إلى الدار البيضاء، مجموعة من اللاعبين المحترفين، اختاروا السفر صوب أوربا مباشرة من مالي، تفاديا للغضب الشعبي الساطع الذي وصلنا صداه.

في جوف الطائرة، كان المدرب البرتغالي كويلهو يحصي أيامه الأخيرة، فقد كان يعرف أن الاستقالة تنتظر جرة قلم. وكان الرجل يوزع بلكنة فرنسية متعثرة حكمه: «عندما أقوم ببناء فريق فإني أبحث دائما عن أناس يحبون الفوز، وإذا لم أعثر على أي منهم فإني سأبحث عن أناس يكرهون الهزيمة».

أغلب اللاعبين الذين شاركوا في رحلة مالي الملعونة أصبحوا مدربين ومحللين رياضيين في استوديوهات المحطات الإذاعية والفضائيات. كانوا على امتداد المسافة يغالبون الأرق الذي جثم على جفونهم. في الطائرة حصلت مناوشات بين بعض اللاعبين لأتفه الأسباب تبين حينها أن للهزيمة أعراضا جانبية كالمرض «الخايب».

اختار مسؤولو الجامعة توقيتا يراعي ظرفية الهزيمة، فتقرر وصول البعثة إلى مطار محمد الخامس في الساعة الواحدة صباحا، وهو توقيت يعفي الغاضبين من التوجه إلى المطار. لكن حين دخلت الطائرة أجواء المملكة قال ربان الطائرة إنه سيحول الاتجاه صوب مطار المنارة بسبب الأحوال الجوية والضباب الجاثم على الدار البيضاء.

استبشر اللاعبون خيرا وشكروا الضباب، فتغيير المطار سيجنبهم غضب البيضاويين، لكن بعضهم فطن إلى وجود قريب في الانتظار بباحة مطار محمد الخامس، ولا يمكن من جوف الطائرة إشعاره باستبدال مطار بآخر. وحده اللاعب عادل رمزي مراكشي الأصول استبشر خيرا بهبوط الطائرة في مسقط الرأس والقلب.

حين يعود المنتخب المغربي مزهوا بانتصار تنتصب خيام الفرح ويحضر «الدقايقية» وتحال البعثة على القاعة الشرفية، ويعفى اللاعبون والمدرب من الوقوف في طابور أمام نقطة التفتيش.

لكن في رحلة مالي كان موظفو مطار المنارة الدولي يديرون ظهورهم لمنتخب عاد مبكرا من معركة كروية قارية مهزوما. كانت ملامح وجوههم تخفي قلقا دفينا يسكنهم، وحين التقط مسافر صورة مع أحد نجوم المنتخب اختار أن يأخذها خلسة حتى لا تشير إليه الأصابع بسوء.

اصطف اللاعبون والمدرب أمام نقطة شرطة الحدود، ختموا جوازاتهم في صمت. لم يكن موظفو وأعوان المطار يعيرون اهتماما للاعبين كانوا بالأمس نجوما، لهذا قبلوا على مضض المعاملة الباردة في ليلة باردة.

غادرنا المطار على متن حافلة سياحية. توقف السائق في مدينة ابن جرير وكانت عقارب الساعة تقترب من الثالثة صباحا، وتسللت إلى مسامعنا مناوشات بين بعض الساهرين وأحد اللاعبين، فقرر رئيس البعثة استكمال الرحلة إلى الدار البيضاء، تفاديا لاصطدام مع مواطنين لم يبتلعوا بعد مرارة الإقصاء.

في الحافلة، وقبل الوصول إلى الدار البيضاء، فضل العديد من اللاعبين التخلص من بذلة الفريق وأخفوا أجسادهم في بذل تنكرية، وما أن توقفت الرحلة في مدخل العاصمة الاقتصادية حتى اختفى البيضاويون وسط مدينة بالكاد تستيقظ من نوم عميق.

حين تكون شاهدا على خسارة فريق أو منتخب، تشعر بتأنيب الضمير، فتصبح واحدا من المساهمين في عثرة يسجلها التاريخ، رغم أن الهزيمة مع السلامة غنيمة.

بعد سنتين، سيكتب لي استبدال الاستقبال البارد بآخر حاشد. عدت رفقة المنتخب المغربي من تونس بعد أن حصل الفريق الوطني على لقب وصيف بطل إفريقيا سنة 2004، وعلى امتداد الرحلة كان الجميع يستعجل الوصول إلى المطار، حيث كانت تقام خيام الفرح.

مرة أخرى، سيتغير مسار الرحلة وتشد الطائرة الرحال إلى أكادير، حيث حظي الفريق الوطني باستقبال ملكي مسح ما تبقى من خدوش رحلة مالي، بعد أن غير المنتخب جلده.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى