شفط الديون
حسن البصري
من أهم التعديلات التي ستعرض على الجمع العام للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم المزمع عقده يوم 21 أبريل الجاري، «منع رؤساء الأندية من استخلاص المبالغ المالية، التي يقدمونها لفرقهم على أساس أنها ديون، حيث سيتم اعتبارها هبات فقط، ولن يسمح لأي مسؤول بأن يطالب باسترداد الأموال التي يمنحها».
هذا قرار تاريخي سيقطع مع موضة تسيير تحول الرئيس إلى محسن يتبرع بماله ابتغاء أجر ورضى المحبين، وحين يغادر كرسي الرئاسة، ينزع قبعة الإحسان ويطوق إدارة النادي بفيلق من الأعوان القضائيين مطالبا بدين قديم هو وحده من يملك حقيقته.
صحيح أن التعديل الجديد فرضته حالة الاختناق التي تعيشها الأندية المغربية من جراء رؤساء تحولوا إلى ما يشبه صندوق النقد يقدمون بسخاء ويسترجعون مالهم بالقضاء. صحيح أيضا أن بيان الجامعة الرامي إلى محاربة الرؤساء الذين يستثمرون في القروض الكبرى صيغ بخلفية «إياك أعني واسمعي يا جارة»، لكن كرة القدم اليوم لم تعد في حاجة لرئيس يملك خبرة في السلفات الصغرى والمتوسطة ويعرف من أين تؤكل رقبة النادي حين تحاصره الديون وتتعرض جيوبه لثقوب.
سبق للكثير من الأندية أن عانت مع إصرار رؤساء سابقين تركوا فرقهم تتخبط في أزمات مالية خانقة بعد رحيلهم، وظلوا يراقبون الوضع عن بعد إلى أن التف الحبل حول عنق النادي، فأعلنوا أنفسهم دائنين ينتظرون في مفترق الطرق منتدبا قضائيا قادرا على لعب دور مرسول «الهم» واسترجاع مال كان يوما صدقة جارية فتحول إلى دين مؤجل الدفع.
من العبث الاعتقاد بأن منع التسليف الذاتي خطوة جريئة لمحاربة الفساد، ومن غير المعقول والمنطقي أيضا مكافحة ما تبقى من محسنين في المشهد الرياضي، لكن لكل قانون عشر طرق للتحايل عليه وعشرات الخبراء القادرين على ترويض البنود القانونية وجعلها في خدمة رئيس لا فرق بينه وبين شركات القروض إلا بالبذلة الرياضية.
للأمانة فإن كثيرا من أعضاء المكاتب المسيرة للفرق المغربية متواطئون، بل إنهم مساهمون بحسن نية أو سوئها في تلميع صورة الرئيس ومنحه صفة المنقذ، رغم إيمان كبيرهم بأن اليد العليا خير من اليد السفلى حتى ولو كانت تحتاج لمسحوق منظف.
للقطع مع هذه العينة من المحسنين الذين تعرف يدهم اليسرى ما قدمته اليمنى، يبادر أنصار ومشجعو بعض الفرق بإطلاق حملات «سداد ديون النادي»، حين يضيق الحال وينسحب الرعاة والمستشهرون وتعاني خزينة النادي من ضيق في التنفس، بحثا عن محسنين لوجه الله لا يريدون جزاء ولا شكورا، وهي الحملة التي حدت نسبيا من تناسل تجار الصدقات المتبوعة برسائل التبليغ القضائي.
من عجائب الإحسان الكروي، أن يوجه فريق مغربي على صفحته الرسمية، نداء استغاثة للمحسنين مطالبا بصدقة جارية لاستكمال ما تبقى من مباريات البطولة، وكتب «الأدمين» في نهاية النداء عبارة «إن الله لا يضيع أجر المحسنين». للأسف لم يتفاعل أنصار الفريق مع نداء الاستغاثة لكن أحدهم اقترح تمكين الفريق من قرض بتسهيلات في الأداء، بينما برع أنصار آخرون في البحث عن صيغ قروض إسلامية لا يتسلل إليها الربح ولا الربا.
لا تكفي المصادقة على قرار منع الرؤساء من التحول إلى سلالة الدائنين، لأن القانون لا يطبق بأثر رجعي، ولا يمكن أن تنسحب من المشهد الرياضي كائنات دخلت من باب الإحسان ورد المعروف وغادرته من البوابة الرئيسية للمحاكم الزجرية، لذا تنتج الكثير من الفرق المغربية مسيرين يجمعون بين الفقر والشجاعة، ولا يجدون إحراجا في العيش بكرامة وخصاص، مصرين على تكريس القول المأثور «عش مدينا تمت مستورا». أما المدربون فقد وضعوا في ذيل سيرتهم الذاتية عبارة تحذيرية:
ممنوع الطلق والرزق على الله.