شوف تشوف

الرأي

شغب المجالس

حسن البصري

 

في الوقت الذي تعتكف فيه جامعة كرة القدم ووزارة التعليم والرياضة ومديرية الأمن الوطني، وغيرها من القطاعات المعنية بالرياضة، بحثا عن وصفة جديدة لمواجهة مد عنف الملاعب، ظهر شغب آخر لا يقل فوضوية عن سابقه، حين تحولت دورات الجماعات الترابية إلى فضاءات للعنف والعنف المضاد وحلبات لفنون القتال، نقلتها على الهواء مباشرة عدسات مواقع التواصل الاجتماعي.

 ليست مدرجات ملعب الأمير مولاي عبد الله، أو ملعب المنصورية هي الأكثر دموية خلال الشهر الجاري، فقد شهدت جماعة سطات شغبا «سياسيا»، بين مستشارين اندلعت شرارته، في أثناء مناقشة موضوع إنشاء هيئة محلية للمساواة ومقاربة النوع، حيث تبين أن المقاربة تحولت إلى مقارعة، وأن التصويت عليها لا يكتمل إلا إذا أريق على جوانب القاعة الدم.

تابع ممثل السلطة أعمال الشغب وكتب تقريره الأسود لعامل الإقليم، وفتح تحقيق في الموضوع، لكن لا أحد من المتسببين في الفوضى وضع تحت الحراسة النظرية، ولا أحد أحصى خسائر تجهيزات القاعة، وكأن عنف المجالس المنتخبة مجرد وصلة تتخلل دورات المجلس، يختبر فيها المستشارون قدراتهم البدنية، ثم يمضي كل إلى غايته.  

اندلعت أعمال عنف في مجلس جماعة بوزنيقة، بسبب نقاش حول مركز كهربائي، ليتحول المستشارون إلى كائنات بها مس من الكهرباء، وتنتقل المعركة إلى بهو المجلس في بث مباشر، لا يختلف كثيرا عما تشهده مدرجات ملاعب الكرة. 

وفي آسفي ظهرت بؤرة عنف سياسي عطل أشغال الدورة الجماعية، ما دفع الرئيس إلى الاستنجاد بالباشا، لإعادة الهدوء للقاعة واسترجاع المتعاركين لأنفاسهم، في مشهد يكشف هشاشة التحالفات السياسية، وسيادة منطق العنف لحسم النقاط العالقة.

هناك بؤر عنف أخرى في مدن وقرى تعري واقع تدبير الشأن الجماعي، وتجعل السلطة الوصية تصنف بعض المستشارين في خانة «مسجل خطر»، وهم فئة تفضل مناقشة نقاط جدول الأعمال باللكم والرفس، حتى تنال التصويت بالضربة القاضية.

يحاكم قاصرون على انفلاتهم في مدرجات الملاعب، ولا يحاكم مستشارون جماعيون على انفلاتهم في قاعات المجالس، يساءل المتورطون في عنف الملاعب عن تجولهم بين المدرجات، ولا يساءل السياسيون عن تجولهم وترحالهم بين الأحزاب.

تجاوزت البلطجة السياسية حدود دورات المجالس المنتخبة، لتمتد إلى الجموع العامة للأحزاب السياسية، حيث أصبح لكل حزب «كابو» تندلع بإشارة منه أهازيج المدرجات، نذكر شغب مؤتمر حزب «الميزان»، حين تطايرت الصحون في الفضاء في ما بات تعرف بـ«معركة الصحون الاستقلالية».

سيأتي يوم يقول فيه ممون حفلات معتمد من جماعة تعاني من النعرات السياسية: «لدينا خدمة إضافية، نوفر بلطجية بأسعار تفضيلية يساعدون على توفير جو الاطمئنان ويعجلون بالتصويت على النقاط العالقة، ويقلصون زمن الاجتماعات إلى الأدنى».

في كل جماعة ترابية مستشار حقق المعدل الأكبر في الاشتباك مع المعارضين والأجهزة الوصية، وباسم الدفاع عن مصالح الساكنة يبيح لنفسه التصويت باللكم والضرب والركل، وغالبا ما تنتهي مداخلاته برضوض في الميكروفون، وكدمات في أجسام خصومه السياسيين.

في ظل هذا المشهد السياسي البشع، لا يسعنا إلا أن نطالب نحن معشر الرياضيين، بمعاملة بالمثل ومحاكمة بالمثل لهؤلاء البلطجية الذين أفرزتهم صناديق الاقتراع، فلا فرق بينهم وبين جماهير المدرجات، إلا بربطة العنق وتعويض شهري وتفويض رسمي في المقاطعة.

نحن اليوم في حاجة إلى جهاز لكشف البلطجة، والإشعار المبكر بها، ولتعديلات جديدة في الميثاق الجماعي، يضيف ضمن لجانه هيئة للتأديب والروح الرياضية، تصدر بلاغاتها الزجرية في أعقاب كل دورة، حتى تتسلل السكينة إلى قاعات الاجتماعات، ويتحول البلطجيون إلى كائنات مهادنة.

وإذا استعصى الأمر وظلت لغة العنف سيدة الموقف، يستباح إجراء الدورات وفق نظام «الويكلو»، أي بمدرجات فارغة، حتى لا تصبح الجماعات الترابية فروعا لجامعات الملاكمة والمصارعة وفنون الحرب.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى