إعداد: سهيلة التاور
في عالم ساده الظلم وانعدمت فيه العدالة، أضمرت فيه الحروف تحت عتمة المجهول وضاعت وسط الظلام الحالك في السجون ووراء القضبان وتحت بطش الذين تمنوا لو أنهم مرروا إسفنجة على عقول من يستعملها في كتاباته، يوجد “الشعراء” الذين أجبروا على السكوت من قبل الحكومات الدكتاتورية خوفا من كشف الحقيقة وإظهار المستور.
الشعراء والسجن، قصة قديمة، تعبر عن شكل من أساطير الفوضى الرومنسية التي كنا نظن أنها اضمحلت. للأسف، كل شيء تغير ولكنه للأسوأ. ففي القرن العشرين والواحد والعشرين، أصبحت الحقيقة أكثر قساوة وخطورة. فأصبحنا نسمع عن اعتقال الشعراء بشكل مستمر ومخيف، وذلك بسبب أفكارهم السياسية خاصة. وهذه الظاهرة شملت العالم بأسره، من الكاميرون إلى الصين، من إفريقيا الجنوبية إلى المكسيك… ومن بين هؤلاء الشعراء نجد أربعة عانوا من الظلم والقهر وراء القضبان وذلك لاهتمام القادة الديكتاتوريين لكتاباتهم، فلم يتأخروا عن إغلاقهم لأفواههم وإجبارهم على السكوت بأقسى أنواع التعذيب الذي يمكن أن يمارس على أي شاعر.
أنوه كيوميس.. المعجزة
تحت سقف السجن الأكثر قساوة من كل السجون الكاميرونية في القارة الإفريقية، سجن “كودنغي” بمدينة ياووندي العاصمة. السجن الذي يؤوي 4000 سجين محشورين بشكل دائم في جو كله قذارة، وأماكن تعج بالفئران، ذات طاقة استيعابية تقدر بـ800 سجين فقط، علاوة على هذا، نجد حالات الكوليرا والطاعون حاضرة بقوة والجثث تنقل باستمرار إلى المقبرة الجماعية بدون دفن، نجد الشعراء، المعارضين المقبوض عليهم بذريعة محاربة الفساد، الصحافيين وكذا المحاميين.
داخل دهاليز هذا الجحيم قضى الكاتب ديودوني أنوه كيوميس، البالغ من العمر 61 عاما، أزيد من 40 شهرا، حيث حكم عليه بسبع سنوات سجنا نافذا من طرف المحكمة العسكرية و200000 فرانك إفريقي CFA، وذلك يوم 27 دجنبر 2012، بعد أن قضى منها 13 شهرا وراء القضبان.
هو شاعر، لكنه يعتبر مواطنا أيضا. مارس نقده اللاذع منذ مرحلة شبابه الدراسي بفرنسا بخصوص الرئيس ” بول بيا “، نائب عميد الدكتاتوريين الأفارقة الذي يأتي بعد الزيمبابوي روبيرط موغاب. والخطأ الأكبر الذي حسب عليه ضمن لائحة أخطائه، هو ترشحه للانتخابات الرئاسية في أكتوبر 2011. وبعدما رفض ترشحه قاد حملة انتخابية إلى جانب معارض آخر ” سفينيكس ” “أبو الهول”، الاسم المستعار لبيا، الذي أعيد انتخابه للمرة الرابعة برصيد مهم. وبعد مرور شهر، عند عودته من سنغافورا، تم توقيف إنوه فور نزوله من الطائرة. وحمل إلى “الحفرة السوداء”، على حد تعبيره، زنزانة مظلمة تابعة لدرك بيرتوا، شرق البلاد. ضرب، عذب، وأمر بالكشف عن مخبأ الأسلحة التي كانت من المفترض أن تستعمل في الانقلاب. فضل هناك 30 يوما متحملا أسوأ الظروف. وبعد إدانته، تمكن محاموه من إحالة قضيته إلى محكمة الاستئناف، ولكن تم تأجيل الجلسة 11 مرة، دون أي موعد محدد لجلسة أخرى في يوم من الأيام. إلا أن التضامن الكثيف من طرف العدد الكبير من الكتاب ومجموعة القلم الأولى قد أنتج ثماره، فحصل إنوه أخيرا على حريته يوم 27 أبريل الماضي، وهو منهك جدا بسبب معاناته من بداية العمى، إلا أنه لم يتنازل أبدا عن متابعة النضال السياسي من أجل الديموقراطية، العدالة، والحرية.
لي بيفينغ.. ما يزال في زنزانته
الشاعر “لي بيفنغ” لم يحصل بعد على الفرصة التي يحلم بها كل سجين، وهي رؤية نور النهار من جديد. والشخص الذي يمكنه أن يتكلم بوضوح أكثر عن هذا الشاعر البالغ من العمر 50 سنة، الذي هو حاليا مسجون في واحد من السجون الصينية، هو كذلك يعتبر شاعرا كبيرا، لياوو ييوو، الكاتب الذي كتب “في إمبراطورية الظلام” (Dans l’empire des ténèbres)، وثائق استثنائية تخص الأعوام الماضية التي قضاها داخل معسكرات الاعتقال في المملكة الوسطى، والذي كان رفيقا للي بيفينغ بالسجن. كانا متهمين بجريمة ضد الثورة. والاثنان دفعا ثمن مشاركتهما في ثورة ساحة “تيان أنمين” في 4 يونيو 1989. فيصرح لياوو أن علاقته بلي تشبه تلك بين الفئران المتجمعين واحد متداخل مع الآخر بحثا عن الدفء. لكن الثورة استمرت بعد إطلاق سراحهما في منتصف التسعينات، إلا أنه في سنة 2011 بعد أن عانى من 17 رفض لتأشيرة الخروج، استطاع ليو أن يغادر البلاد بطريقة سرية للاستقرار ببرلين.
لي، هو، لم يستطع فعل نفس الشيء أبدا، رغم مجموعة من المحاولات الجريئة التي قام بها حيث واحدة منهم قادته أن يعبر الصين من الشمال إلى الجنوب وخلالها وجد عدة مرات خلف القضبان. سنة 1998، عندما قرر تعميم إضرابات عمال النسيج بميانيونغ، مسقط رأسه، وذلك بمشاركة مع المنظمات غير الحكومية لحقوق الانسان تم توقيفه بتهمة ملفقة، الاحتيال الضريبي، فحصل على 7 سنوات من الاعتقال بمحكمة ريبولوط الشعبية للتقسيم الإداري يوم19 نونبر 2012 بـ شيهونغ، بسيشوان، التي عاقبته هذه المرة بالحكم بـ11 عاما سجنا نافذا بتهمة أنه قام بعقد احتيالية على حساب منتج للكحول بالمنطقة.
في الحقيقة، السلطات الصينية تشك بأن لي ساعد لياوو للهروب من البلاد سنة 2013، الشيء الذي جعل هذا الأخير يصر على إنكاره، حيث عند وجوده بسهرة للدعم في يناير 2013 بباريس، قرأ بعض الكلمات التي سرقت من صديقه وشريكه في الزنزانة: ” بالكتابة أو بالثورة، نتمنى من الذين يوجدون خلف جدران السجن العالية أن يتذكرونا”.
برايتن برايتنباش.. 7 سنوات من البؤس
بعد أقل من عام، الأدب الجنوب إفريقي فقد اثنين من كبار أقلامه، نادين غوردينمير، في يوليوز 2014، وأندري برينك، في فبراير الماضي. فكان سببا إضافيا للاهتمام أكثر بقلم برايتن برايتنباش الذي يعتبر الأهم من كل أقلام زملائه. ففي سن 76 سنة أخرج حاليا ديوانه “المرأة في الشمس”، وهو الديوان الذي يجمع أكثر من 52 قصيدة نثرية، وروايات كتبت منذ 1970. حيث تم اختيارها من طرف صديقه ومترجمه جورج ماري لوري، متخصص، من جنوب إفريقيا. هذه النصوص تم عرضها على شكل سيرة ذاتية شعرية لهذا الكاتب الإفريقي من مقاطعة الكاب والمواطن الفرنسي كذلك، والقريب من نيلسون مانديلا. كان يعمل ويشارك ضد نظام التمييزي لجنوب إفريقيا، وغادرها سنة 1961 للعودة إلى فرنسا، حيث أسس حركة أوخيلا، الموجهة لتنظيم شبكات لخدمة المؤتمر الوطني الإفريقي، حزب ماديبا.
في نفس الفترة، تزوج بيولاندي، شابة فييتنامية. وخلال سفره للهجرة السرية في إفريقيا الجنوبية، سنة 1975، تم توقيفه وسجنه وتم اتهامه بتشدده، وذلك بالزواج المختلط، الممنوع حسب قانون التمييز العنصري. فتم سجنه لمدة 7 سنوات في زنزانة بريتوريا حيث كتب ما يناهز 400 قصيدة شعرية، التي اعتبرها الطريقة الوحيدة لتحمل الاعتقال، والبقاء على قيد الحياة. شعره لم يخل من الكثافة الفكرية، والتعبير الممخض عن القساوة المعاشة في جنوب إفريقيا والخيال الذي يعيشه لوحده بعيدا عن الواقع المر، كما تم تلوينه بمعايير الحرية المرغوب فيها. وكذلك صيغ فيه جميع أشكال العنف والقمع، المقاومة اللازمة والحب الأبدي الذي يكنه لزوجته، وسرد فيه كذلك تفاصيل سفره اللامحدود وخاصة استقراره بجزيرة غوري حيث يسير حاليا مؤسسة غوريا، وهي مركز مهداة للديمقراطية، والتنمية، وللثقافة في إفريقيا.
موتيس.. عندما يحكم السجن على الشعر بالموت
رمز من رموز الأدب في أمريكا الجنوبية. نال جائزة ميديسيز الأجنبي سنة 1989 وجائزة سيرفانتيس سنة 2001. الكولومبي ألفارو موتيس، الذي توفي في شتنبر 2013، والذي عاش حياته المهنية من أجل الشعر غير أنها اتخذت منعطفا آخر حاسما بعد تجربته في السجن مدى الحياة. لقد اتهم باختلاس الأموال في أواخر الخمسينات في الصراع الذي حرض عليه ضد شركة ستاندارد أويل، فقرر أن يهرب باتجاه الميكسيك، حيث تم توقيفه وسجنه. فقرر ألا يستسلم للقهر داخل السجن وحاول أن يجد طريقة ليقاوم بها وهي اللجوء إلى الكتابة. كان يراسل باجتهاد الصحافية إلينا بونياتووسكا التي تعمل في جريدة سجن ليكومبوري، حيث كل تلك النصوص جمعت الآن في “دفاتر القصر الأسود” التي من خلالها، ألفارو موتيس، حاول أن يجسد الواقع المظلم والحيوي بامتياز بما في ذلك جرائم القتل والاتجار بالمخدرات وأشياء أخرى، وكذا الأفراد المشاركة في كل هذه الأحداث. فبعد تجربة السجن القاسية هذه تخلى الكاتب عن الشعر لينتقل إلى عالم النثر والرواية ليعبر بكل حرية على الظرف الذي تصرف فيه كل أشكال الألم والوعي بانعدام العدالة المستتر وراء القوانين المعمول بها.