شوف تشوف

الرئيسيةسري للغايةسياسية

شركات وهمية وقروض الجنرالات لإدارة اقتصاد «الطراباندو»

يونس جنوحي

لم يكن ممكنا لنظام الجنرالات في الجزائر أن يستمر فقط بالسلاح وحرب العصابات والاغتيالات والتصفيات والإقالات ونفي المعارضين إلى الخارج. إذ، إلى جانب الحظ، كان لا بد أيضا من بعض الخطط المحكمة لضمان استمرار النظام.

رئيس الجمهورية، اليمين زروال، كان قابعا في القصر الجمهوري، لا يعرف كل التفاصيل المرتبطة بسير النظام، لكنه كان، بكل تأكيد، يعرف طبيعة الحرب بين الجيش، الذي لم يكن يتحكم فيه لا من قريب ولا من بعيد، وبين الجماعات المتطرفة.

النتيجة كانت تعاطفا شعبيا كبيرا مع جبهة الإنقاذ الإسلامية التي تزعمها بلحاج ومدني. هذان الرجلان صارا رمزين للمعارضة الجزائرية في مقابل إضعاف كبير لمعارضة اليسار على يد الجنرالات.

الشارع الجزائري كان يتعاطف مع الإسلاميين رغم أن بعض الجماعات المتطرفة وقتها كانت مسؤولة فعلا عن عمليات إرهابية استهدفت مقرات أمنية، واعتُبرت وقتها انتقاما للعمليات التي نفذها الجيش والشرطة ضد المُنتسبين لتلك الجماعات. لكن أكثر من دفع ثمن تلك المواجهات هم المدنيون الأبرياء. إذ إن جل العمليات حصدت آلاف الأرواح البريئة في الأحياء الشعبية والمدارس والتجمعات العمومية، ولم تكن لهم نهائيا أي صلة بالتنظيمات الإسلامية ولا بوحدات الجيش والأمن والمخابرات.

 

الطراباندو

يقول هشام عبود: «من خلال السيطرة على السلطة، امتلك الجنرالات بلدا بأكمله. الاقتصاد الجزائري، الذي يستمد كل قوته من البترول والغاز، كان بين أيديهم. المديرون العامون لـ«صوناطراش»، الشركة الوطنية للهيدروكاربونات، والبنك المركزي الجزائري، كانت كلها مؤسسات تحت إشراف الجنرالات بشكل دائم. وباتخاذهم الإجراءات الأمنية ذريعة، استقروا جميعا في إقامات عسكرية في منطقة سيدي فرج السياحية.

أما بالنسبة لبقية الأنشطة الاقتصادية، فإنه ليس سرا أبدا في الجزائر أن نظام «الطراباندو» هو «السائد».

يشرح هشام عبود أن هذا النظام الاقتصادي مكن الجنرالات بكل سهولة من السيطرة على قنطرة الاستيراد والتصدير. كانت لديهم عمولات ضخمة وخيالية عن كل التحويلات إلى الخارج من سلع وأموال. بالإضافة إلى أن هذا النظام، «الطراباندو»، مكنهم أيضا من تأسيس أعمال وشركات في الظل لم تكن الحكومة الجزائرية أصلا تعلم بوجودها على أرض الواقع. وكانت تدر على أصحابها، من المافيا، ملايين الدولارات سنويا.

من المثير أيضا معرفة أن منطقة سيدي فرج التي استقر فيها هؤلاء الجنرالات كانت تكلف الدولة ميزانية هائلة من المال العام الجزائري، تتم المصادقة عليها دون نقاش بذريعة أنها تدخل في إطار الأسرار الأمنية للأمن القومي الجزائري. بينما كان الأمر يتعلق في الحقيقة برفاهية خيالية مقارنة مع ما كان يعيشه الجزائريون من شظف وحرمان. إذ إن المنتجعات السياحية لسيدي فرج كانت إقامات دائمة لأسر الجنرالات ومعارفهم، وتشيد في المنطقة فيلات وإقامات فخمة ومسابح ومرافق للترفيه من مراكز للتسوق وحدائق وملاعب ومساحات خضراء محروسة على مدار اليوم والليلة، للترفيه عن الجنرالات وأسرهم. والفواتير كلها كانت تُرسل إلى مقر وزارة الدفاع وتؤدى من الخزينة السوداء التي لم تكن تخضع لأي مراقبة أو محاسبة.

 

 

 

قروض في كل مكان

يقول هشام عبود أيضا إن هؤلاء الجنرالات كانوا يلجأون لتمويل مشاريعهم الخاصة إلى الاقتراض من البنك الجزائري. ولا حاجة طبعا لكي نشرح هنا أن هؤلاء الجنرالات لم يكونوا مُطالبين بتقديم ضمانات أو خطط للأداء. إذ كانوا يحصلون على قروض هائلة دون أن يدفعوا أقساطها ودون أن يقدموا ضمانات أو «رهنا» مقابل الحصول على تلك القروض من المال العام الجزائري.

جل تلك الديون التي حصل عليها الجنرالات من الأبناك الجزائرية استعملت في شراء العقار أو بناء الإقامات أو استُعملت في تأسيس شركات تابعة للجنرالات خصوصا في قطاع الاتصالات والخدمات.

وفي حالات أخرى لجأ الجنرالات إلى أشخاص مجهولين واستعملوا أسماءهم وأسسوا شركات ضخمة مثل شركة «سيطرا كوم» المتخصصة في توزيع الصحف والإعلانات، وهي شركة برأس مال ضخم وتدبر مشاريع إعلامية بارزة ومعروفة، لكن صاحبة الشركة، واسمها عائشة بايا كديدي، لم يكن يعرفها أحد في أوساط المال والأعمال، بل إن مدير البنك الذي فتحت فيه حساب الشركة الرئيسي، لم يسبق له أن رآها نهائيا!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى