شوف تشوف

الرأي

شركات «الانقطاعات» بالمغرب

بإمكانك أن تقطع الهواء، لكن لا يمكنك أبدا أن تقطع المكالمات المجانية عن طريق الأنترنيت. في بلد عدد الأرقام الهاتفية فيه يتجاوز عدد المواطنين، يتحدثون مليارات الدقائق سنويا، لا يمكن تخيل الحياة بدون اتصال.
القرار الأخير الذي خرجت به شركات الاتصال في المغرب، ويبدو أنه القرار الوحيد الذي يتفقون حوله أخيرا، يعتبره الشبان المغاربة، الذين يمثلون الشريحة الواسعة المستهلكة لهذه الخدمة، حيفا كبيرا، لا يمكن أن يحسوا تجاهه إلا بالقهرة.
منذ اليوم الأول لفتح خدمة الهواتف النقالة أمام المواطنين، ليحسوا نحوها بكثير من التقديس، ويقتنوها بإخلاص، وشركات الاتصال تراكم الأرباح تلو الأرباح. وأكبر دليل على التخمة التي راكمتها هذه الشركات هو تكسيرها لأسعار الدقيقة بشكل يبعث على التشكيك.
عندما وفر العلم إمكانية الاتصال عبر الأنترنيت، أدمنت شركات الاتصال اقتراح عروض تقطّر بها الأنترنيت بكثير من البخل، وكأن الأمر يتعلق بتوزيع صكوك الغفران.
«إنكم في العلبة الصوتية» كانت هي العبارة الأشهر، ويمكن لسامعها قبل سنوات أن يصاب بالسكتة القلبية، حتى أن الكثيرين لم يكونوا يترددون في حذف أرقام أصدقائهم الذين يتركون العلبة الصوتية لتلتقط دراهم الأصدقاء بكل جشع، وشيئا فشيئا أصبحت تسعيرة الاتصال أرخص من ماء الصنبور.
عندما جاءت التطبيقات العجيبة ومكنت المغاربة من الاتصال ببعضهم مجانا، كبقية دول العالم أيضا، لم يرق لشركات الاتصال المغربية أن يتواصل المغاربة بكل السخاء الذي وفره لهم العلم، وفكروا في جعل الناس «يدفعون الثمن» غاليا لقاء كل ثانية تحدثوها بعيدا عن رقابة العدّاد، علما أن الأنترنيت في الهواتف المغربية محدودة بشكل لا يمكن فهمه، ولن تستغربوا يوما إن وجدتم شركات الاتصال تبيع وحدات استهلاك الأنترنيت بـ«الغرام» أو «الصّاشي»..
في الوقت الذي تفتح دول العالم التي تقدر أهمية التواصل الحر عبر الأنترنيت، فضاءات مجانية لربط الاتصال بالشبكة، يجتهد علماؤنا في منع وحصار تطبيقات المكالمات المجانية، علما أن هذه الشركات لم يحاسبها أحد على أرباحها الخيالية أو المعايير التي تحتكم إليها في تحديد التسعيرة.
لا شيء أبلغ من منظر امرأة عجوز، أو شابة منسية بين التضاريس القاسية لهذا الوطن، وهي تحمل هاتفا، يقصر المسافة، ولا يشبع من ابتلاع بطاقات التعبئة. منظر يلخص كل شيء، ويشرح بالواضح كيف أن هناك من يبيع وبجشع، أكبر النعم التي وصل إليها العلم الحديث.
لماذا لم تفكر شركات الاتصالات في حجب خدماتها عندما كان الوفا، الوزير السابق للتربية الوطنية، يراقب كشرطي أجواء امتحانات الباكلوريا وبدا عاجزا عن احتواء التسريبات التي كان فيها للهواتف النقالة دور كبير؟ إذا كانت شركات الاتصال ترى في الذين يستعملون أحدث البرامج والتطبيقات للتواصل مع أبنائهم وأصدقائهم وأقاربهم في القارات الأخرى من العالم، تهديدا لأرباحها، فإنه يتوجب عليها على الأقل أن تفكر أيضا في أولئك الذين استعملوا هواتفهم لتسريب الامتحانات، ولو أنه لا قياس مع وجود الفارق.
ورغم أننا في سنة لم يعد مسموحا فيها بالرجوع إلى الوراء في مجال الاتصالات، فإن شركات الاتصال بالمغرب لا تجد حرجا في ممارسة نوع من ألوان المنع التي لا توجد إلا في الدكتاتوريات التي يعدم فيها الجنرالات وتنشأ فيها المفاعلات النووية ولا توجد بها سراويل الجينز وقطع الجبن الأحمر وصابون «الريحة».
إذا كان القائمون على أمور «الاتصال» في المغرب، يهدفون من وراء هذه الخطوة المجنونة إلى جعل الناس يدفعون مقابل خدمات يستفيد منها الآخرون مجانا عبر العالم، والأكثر من هذا أن شركاتنا لا تقدمها بالجودة المفترضة، فإن الحل الأمثل مع هؤلاء الديكتاتوريين الجدد هو العودة إلى أيام تسجيلات الفيديو والكاسيط، وبعثها مع الإرساليات.. وقتها كانت الردود تصل بعد أن يكبر الأبناء ويتزوج العزاب لكن الرقابة لم تكن موجودة على الأقل. لا أحد كان يمنعك من تسجيل شريط وإرساله إلى العائلة. اليوم في زمن الثورة المعلوماتية، لا يزال البعض يصرون على جعل الفقراء يدفعون مقابل كل شيء.. بدءا من التحيات الحارة، وصولا إلى كميات استنشاق الهواء.. وسترون!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى