شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

شرق أوسط مختلف

 

سامح راشد

 

 

منطقة الشرق الأوسط بصدد مرحلة جديدة مختلفة، وربما تكون مفصلية. لم تبدأ تلك المرحلة فجأة، فالأحداث الدولية مترابطة ومترتبة على بعضها، وإن بدت ظاهريا منعزلة عما سبقها من تطورات، فقد شهدت الأعوام الماضية كوارث طبيعية وأزمات غير بشرية، أهمها جائحة كورونا وارتفاع معدلات الاحترار المناخي وانتشار الحرائق وتوالي الزلازل إلى حد أن عام 2023 وحده شهد أكثر من 125 زلزالا بدرجات أعلى من 6 ريشتر، في أنحاء مختلفة من الكرة الأرضية. وبالتوازي، مع توالي الكوارث الطبيعية، بدأ العالم يشهد أيضا أزمات ونزاعات إنسانية بدت مفاجئة ومفصلية في آن.

وبعد نشوب حرب أوكرانيا في فبراير 2022 بتأثيراتها الواسعة والعميقة على معظم الدول، كان للشرق الأوسط نصيب كبير من التطورات والأثر البالغ نفسه في حاضر المنطقة ومستقبلها. كان بعض تلك التطورات انعكاسا مباشرا لحرب أوكرانيا، وتخلخل مفاصل نظام عالمي تقوده الولايات المتحدة ويكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة. ومن ذلك، التقارب التاريخي بين السعودية وإيران برعاية صينية. وكذلك إنهاء القطيعة المصرية التركية، وبدايات تفاهم بين القوى السياسية والفصائل الليبية المتناحرة.

ولكن قبل أن تكتمل موجة المصالحات والتفاهمات، وتشكل منظومة تعاون وهدوء إقليمي شاملة، وقعت المفاجأة في 7 أكتوبر بالهجوم الكاسح المذهل الذي نسفت به المقاومة الفلسطينية كل جهود التطبيع مع إسرائيل، وأعادت خلط الأوراق والحسابات الإقليمية برمتها. وإذا بالعام الجديد يبدأ من واقع مختلف جذريا عما كان في 2023، ليس فقط في نطاق القضية الفلسطينية أو مجمل تفاعلات الصراع العربي الإسرائيلي، وإنما بمنطقة الشرق الأوسط كلها، فخيوط الحرب التي نشبت في غزة متشابكة ومعقدة إلى حد تصعب معه معرفة ارتداداتها بدقة وتحديد كيفية تعاطي أي طرف معها، فقد أعادت هذه الحرب القضية الفلسطينية إلى المربع الأول مجددا، وجدت ترسيم المقاومة الفلسطينية رقما صعبا ولاعبا أساسيا في معادلات الصراع ومستقبل الإقليم. ومن شأن تشعب علاقات المقاومة مع إيران، وتدخل وكلاء طهران بالحرب، ولو بشكل محدود، شمالا من حزب الله لبنان وجنوبا من حوثيي اليمن، أن يُعيدا مرة أخرى تأكيد الترابط العضوي بين الملفات المستعصية والقضايا المزمنة بالمنطقة. بما يشمل، أولا، معضلة القرن بين إسرائيل والفلسطينيين، ويتضمن أيضا أدوار إيران وطموحاتها الإقليمية. وأينما وجدت إسرائيل وظهرت إيران، فلا بد أن يكون للولايات المتحدة وروسيا حضور.

ولأن العام الجديد يبدأ وحرب تجري بغزة، فإن للدائرة المباشرة المحيطة بميدان تلك الحرب، دور وتفاعلات بشأنها، فمصر والأردن وسوريا ولبنان، وهي الدول التي كانت تُعرف بدول الطوق، متداخلة فعليا في مجريات الأزمة برمتها، وستتفاعل تأثرا وتأثيرا مع تداعياتها، سواء طوعا أو كرها.

إنها ليست مجرد بداية عام جديد، وإنما هي محطة فاصلة تقلب موازين القوة في الإقليم وتعيد تعريف أساسيات الصراع، أو بالأصح تعيدها إلى الأذهان، بعدما أحيت الفصائل الفلسطينية المسلحة روح المقاومة وجددت مشروعية ومقبولية، بل وربما حتمية أن تكون تلك المقاومة بالقوة لا بغيرها.

ولن ينتقص من ذلك الإنجاز الهائل الذي حققته المقاومة الفلسطينية ما تبذله قوى عربية وعالمية لتحجيم دلالات الحرب وتسطيح مغزاها العميق، فبالتأكيد ستتوقف الآلة العسكرية الإسرائيلية عن التدمير والإبادة، وما سيبقى من الحرب أن المقاومة حق مشروع لأصحاب الأرض والتاريخ في أي وقت وتحت أي ظرف. وما لم يعترف الجميع بذلك ويراجع حساباته، فلن يشهد الشرق الأوسط هدوءا ولا استقرارا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى