حسن البصري
انهالت عليك العروض من محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وعبد الرحمان بلمحجوب..
كان فريد يعلم أن وجودي في باريس في صالح عبد الرحمان، لأنه يلعب ضمن فريق العاصمة الفرنسية لكرة القدم، لهذا كان يعمل على إقناعي بالهجرة إلى لبنان. كان يطلب مني استكمال عملي في بيروت بعد أن عدت إلى باريس، ودعاني إلى الالتزام بتعهداتي المهنية، أما محمد عبد الوهاب فقدم لي عرضا للاشتغال في مصر يمتد لثماني سنوات، ولاحظت تمسكه بي حين طلب من زوجته العودة إلى مصر وقرر تمديد مقامه في بيروت، على اعتبار أنه سيعود إلى بلاده عبر الباخرة مادام يخشى ركوب الطائرة. بل إن فريد دعاني لمرافقته إلى أحد نوادي البوكر في باريس والذي كان يدمن عليه، وكان هدفه من وجودي معه انتزاعي من محيط اللاعب الذي لا يسهر ولا يلعب بوكر ولا يشرب الخمر ولا السجائر. تصور أن بلمحجوب كان يعرض علي متابعة مباريات كرة القدم بينما كان فريد يعرض علي مرافقته في جلسات البوكر.
هل استجبت لرغبة فريد؟
طلب مني العودة إلى لبنان لاستكمال العقد، ربما كانت هذه حجته لينفرد بي وأبتعد عن لاعب الكرة كما كان يسميه، أقنعني بضرورة إتمام تصوير المشاهد المتبقية، لم أستكمل ما تبقى من أيام في العقد فعدت من جدد إلى باريس. التقيت عبد الرحمان وكان مصابا على مستوى الركبة، حيث منحه الطبيب إجازة، لهذا لم يكن يتمرن في النادي كعادته بل تفرغ نسبيا. دعاني للذهاب سويا إلى السينما لمشاهدة فيلم كان عليه إقبال كبير، وكانت فرصة للمكاشفة. سألني عن جدية فريد وما إذا كانت نواياه حسنة، فقلت له إن ما يربطني بفريد هو الفن، وأن عقدا يجمعنا وعلي أن أستوفي شروطه القانونية، وأكدت له أن التعاون الفني بيني وبينه لم يثمر سوى فيلمين فقط.
ربما اعترض على الرقص وليس التمثيل..
كان يعلم أنني اشتركت مع فريد في فيلم «عايزة أتجوز» سنة 1952 مع نور الهدى و«لحن حبي» مع صباح سنة 1953، وذلك في محاولة منه لتعويض الفراغ الذي تركته الراقصة المصرية سامية جمال. قلت له إن خرجاتي معه في باريس كانت فقط من أجل مرافقته وهو يلعب البوكر، على غرار الفنان المصري عمر الشريف. حينها قال لي عبد الرحمان: «أنا نيتي حسنة وأريدك للزواج» لكنه اشترط علي القطع مع الفن، فقلت له علينا إيجاد حل لمشكلة العقد المبرم مع فريد لاستكمال دوري في فيلم».
هل وافقت على القطع مع الرقص والتمثيل؟
طلبت مهلة للتفكير فوافق، وقررت أن أفاتح فريد في الموضوع والبحث عن حل لقضية العقد الذي حال دون الحسم في زواجي من عبد الرحمان. وأنا في عمق تفكيري سيحل محمد عبد الوهاب بباريس وسيتصل بي في شقتي. رجوعه تركني في حيرة بينه وبين فريد وعبد الرحمان. دعاني عبد الوهاب بدوره للسفر إلى مصر، لكني، بصدق، كنت أبحث عن مبررات حتى لا أظهر بمستوى مهزوز لأنني أعاني في مصر بسبب إتقاني للغة الفرنسية رغم أنني قدمت فيلم «دكتور بالعافية» سنة 1953 مع كمال الشناوي لأعود إلى فرنسا بعدها وأشارك في السينما العالمية مع الفنان بيدرو أرمينداريز، وكان فيلم «حياة فاروق» من أهم أعمالي.
ما آخر عمل فني شاركت فيه؟
مع مرور الأيام بدأت أقضي يومي في المقارنات بين فنانين ولاعب الكرة، فريد، الذي يقضي ساعات فراغه في لعب البوكر وإهدار المال، وعبد الرحمان الذي يرفض وجود «كارطة» في البيت وينام مبكرا ولا يسهر ولا يدخن ولا يقرب الممنوعات، وبين عبد الوهاب، الذي يريدني خليلة. لهذا قررت أن أحسم الموقف وأتخذ القرار السليم، أنصتّ لقلبي فاختار عبد الرحمان لأنه قدم عرضه ومعه شرط القطيعة مع الفن، ولهذا كان فيلم «حياة فاروق» آخر الأعمال التي رقصت فيها احتراما لعبد الرحمان الذي خفق له قلبي.
ما آخر رقصة رسمية لك؟
“زوينة عبارة “رقصة رسمية”، تقصد في عمل فني، إنها رقصتي في فيلم «عبد الله العظيم»، (هو فيلم تم إنتاجه في مصر وخرج للوجود سنة 1955. يحكي قصة الملك فاروق الذي فقد كرسي الحكم وعاش طريدا بسبب ركضه وراء نزواته). هذا الفيلم مثل فيه كبار الممثلين الأمريكيين.
كان زواجك في المغرب سريا، لماذا؟
وافقت على مرافقة عبد الرحمان إلى المغرب في زيارة قصيرة، كانت فرصة لأصل الرحم مع والدتي وأن نزور والده «الحاج». حين التقى بي والد عبد الرحمان قال لي إن أعراف العائلة وتقاليدها ترفض وجود زوجين بدون عقد، فاستدعى عدلين في اليوم الموالي، حضرا إلى بيت العائلة في المدينة القديمة. اشترط والده، قبل كتابة العقد، عدم إطلاق زغاريد لأن الوضع الأمني في تلك الفترة كان صعبا جدا، وكانت القوات الفرنسية تطوق أحياء المدينة القديمة. كانت الأجواء مكهربة وفيها أصبحت زوجة عبد الرحمان بلمحجوب، خاصة وأن المغرب كان يعيش قلقا شعبيا بسبب نفي الملك محمد الخامس. تقاطر الزوار على بيت عائلة بلمحجوب، لكن والده كان يغلق علي في غرفة حتى لا يراني أحد من الجيران أو أصدقاء عبد الرحمان، وهناك من كان يعتقد أنني فرنسية.