شراسة
هي
عشقت فيك سيارتك، ملابسك، رقيك وطلاقتك في الحديث بلغة أجنبية، كنت صديقا لابن عمي وجئت لتحضر عرسه في مدينتي الصغيرة، كنت حينها في السادسة عشرة من عمري، وكم كان حظي كبيرا في الرجال، يتهافتون لخطبتي، وكنت من بينهم وكان عندي الخيار بينك والمهندس والرياضي والقاطن ببلاد المهجر، واخترتك أنت لأنك بدوت مثل بطل مسلسل تركي كنت مولعة به.
وتزوجنا وأصبح لدي بيت في مدينتك، أنا التي كنت أرتع بين بيوت أقربائي أصبحت فجأة سجينة بيتي البعيد عنهم، لم تكن تتكلم كثيرا معي وحين كنت تتكلم تفعل ذلك بصوت منخفض وبأدب شديد. تأتي من العمل وتشغل قناة فرنسية على التلفاز وتطلب مني إعداد شريحة لحم، تضع على الطاولة قنينة النبيذ الفاخر وكأس كريستال، توقد شمعتين وتطفئ الأنوار، وكأنك ميت وتريد قتلي، ولشد ما كان يخنقني الظلام ورائحة الشمع تشعرني بالغثيان، والخمر يذكرني بأبي ودروسه عن الحلال والحرام، وتركك لما أطبخه من مرق وخضر واكتفاؤك بقطعة اللحم اليابسة أو تلك البيتزا الجاهزة يجعلانك تبدو كطفل صغير مدلل يحتاج لصفعة ليأكل كالكبار. لم تكن رجلا خشنا كأبي ولم أجد لديك شعرا كثا على صدرك أو قوة لتكسر ربع ما يكسره حين يغضب..
هو
لم أكن أعلم أنك فتاة متوحشة، بقدر جمالها بقدر شراستها، نمر شرس في هيأة قط وديع هكذا أنت. تزوجتك رغما عن أهلي، لم يتحملوا أن أحضر زوجة من تلك المنطقة البدوية، أنا سليل عائلة ثرية مثقفة ذات المناصب والمكاسب، لكنهم احترموا رغبتي واختياري..
واندهشت من طريقة عيشك، كلامك السوقي وتصرفاتك المتهورة، ولا أذكر أنني عدت من العمل يوما دون أن أجد مفاجأة في انتظاري. في أحد الأيام وجدتك أشبعت حارس العمارة ضربا وفي يوم آخر صفعت الجارة ومرة وجدت الجيران يطرقون بابك طلبا للرحمة من موسيقى الأعراس الشعبية التي كنت تظلين راقصة على أهازيجها. طردت أمي حين جاءت لزيارتك، كسرت كل الأواني حين لم أستسغ طعم طبخك..
تتعمدين استفزازي وأنا لا أجيد الدخول في النقاشات والصراعات ولم أتعود على ذلك، لقد كبرت في وسط هادئ وتتلمذت على يد مدرسين أجانب، ولم أكن أتخيل أنني سأحول جنتي إلى جحيم وأن أمسياتي الرومانسية ستتحول بسببك إلى كوابيس..