يسرا طارق
تخبرنا الدراسات التي أنجزت عن تاريخ المناخ في المغرب، (خصوصًا دراسة ستوكتون الأمريكي)، بأن البلد عاش في تاريخه الطويل موجات جفاف تتكرر ثلاث أو أربع مرات على الأقل في القرن الواحد، بمعدل جفاف قاس كل 25 أو 30 سنة .
المغرب ليس بلد ماء، وقد عمد المغربي إلى التكيف مع هذا المعطى، ففضل الرعي كنشاط اقتصادي أكثر من الزراعة المسقية التي كانت تقتصر على الأماكن الرطبة ومناطق الدير الغنية بالعيون ومجاري الماء، بينما كانت الزراعة في أغلب سهول المغرب بورية ومعيشية.
ندرة الماء وعدم انتظام تساقط الأمطار مكونان هيكليان من مكونات هذا البلد، ولو أننا، في فترات وفرة التساقطات المطرية، ننسى هذا المعطى ونتصرف كأننا في بلد من البلدان الإسكندنافية.
استشعر المغفور له الحسن الثاني خطورة الوضع المائي للمغرب، وعرف أن مستقبل الفلاحة المغربية رهين بتحررها من تقلبات السماء، لذلك عمد إلى بناء شبكة من السدود الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، جعلت المغرب يتجاوز بنجاح موجات الجفاف القاسية. غير أنه، ومع التغيرات المناخية العالمية، وما عرفه العالم من احتباس حراري، تمثل في الارتفاع التدريجي لمعدلات الحرارة وفي عدم انتظام التساقطات، تضاعفت التحديات البيئية التي يواجهها المغرب حاليًا وسيواجهها مستقبلًا بشكل أكثر حدة. لا مفر لنا من إعادة نظر جذرية في تعاملنا مع الماء كمادة حيوية وخطيرة، تتوقف عليها الحياة وتتوقف عليها أيضًا التنمية. ورغم أن المغرب يعاني، منذ 2019، من موجة جفاف رهيبة وغير مسبوقة في حدتها، فاقمها التوسع الكبير وغير المتحكم فيه للمجالات الحضرية، آلاف التجزئات السكنية وآلاف العمارات تبنى سنويا، دون حاجة حقيقية لها في معظم المدن، مع عدم الاكتراث بما ستتطلبه من حاجيات مائية لن يستطيع المغرب، عاجلًا أو آجلًا، توفيرها لها، فمن شأن هذه الأزمة التي نعاني منها جميعًا أن تفتح أعيننا على الأخطار المحدقة بنا في مجال الماء، إن لم نتعبأ جميعًا ونغير سلوكنا. فلم يعد بإمكاننا إهدار الماء، لا في منازلنا ولا في حدائقنا، ولا في مسابحنا ولا في حقولنا ولا في مساحاتنا الخضراء، وعلينا أن نسرع من تنفيذ مشاريع تحلية البحر وبناء السدود، وهذا ما أشار إليه صاحب الجلالة، الذي خصص، في سابقة من نوعها، خطاب العرش الأخير لمعضلة الماء.
حروب المستقبل ستكون حول الماء وحول المواد الغذائية، فلنتسلح، إذن، من الآن لخوضها.