يونس جنوحي
الإحصاء والامتحانات، أكثر ما يشغل بال الناس هذه الأيام.
رغم أننا اليوم أمام النسخة السابعة من عملية الإحصاء العام للسكان، إلا أن العقليات ما زالت تحتاج إلى مزيد من الإعداد للتعامل مع إجراء من هذا النوع.
لا يُعقل مثلا أن تتكرر أخطاء الإحصاء السابق لسنة 2014، وجميعنا نتذكر كم كانت مدة الانتظار للإفراج عن النتائج النهائية للإحصاء. فقد تأخر الإعلان عنها، وفُتح الباب أمام التأويلات شرقا وغربا، إلى أن فاجأتنا المندوبية ذات يوم وأعلنت عن النتائج.
الأمر يشبه النظر إلى المرآة في مكان لا تظهر فيه المرآة إلا مرة كل عشر سنوات. فالناس ينظرون إلى أنفسهم كل صباح، ولا يزالون يقفون مطولا أمامها بحثا عن التغيرات والتجاعيد والشعيرات المنفلتة. ولعلنا قد ننزعج إذا وجدنا ما يشبه «حب الشباب» في بقع ظاهرة.
الإحصاء يُتيح النظر إلى الأماكن التي قد تكون لدينا فيها ترهلات.
المشكل يبدأ عندما لا يشارك المواطنون في العملية، ويلجؤون إلى الكذب، فهناك من لا يفرقون بين موظف الإحصاء وبين موظف الضرائب.
في أول نسخة للإحصاء على الإطلاق، والتي تزامنت مع فترة الحماية الفرنسية، خبأ الناس أبناءهم في «المطمورات» وأرسلوهم إلى الأحراش، وأمروهم بأن يختبئوا هناك إلى أن يُرسلوا في طلبهم. والنتيجة كانت حصول الإدارة على معلومات مغلوطة وغير مُكتملة عن عدد الأبناء، والحالة الدقيقة لأغلب الأسر المغربية التي تقطن البوادي. وفي المدن أرسلت بعض العائلات أبناءها إلى القرى للاختباء هناك، إلى أن يمر «الإحصاء». وسرت إشاعات مفادها أن الفرنسيين يُحصون المغاربة لكي يوفروا الرصاص اللازم للإجهاز عليهم دفعة واحدة، وأن فرنسا تريد معرفة كم يبلغ عدد أبناء المغرب، لكي تسجنهم جميعا. وهو ما جعل الناس يكذبون بشأن عدد الأبناء، خصوصا أن تلك الفترة سبقت بوقت طويل تسجيل الأسر في دفاتر الحالة المدنية.
أما في النسخ الأخيرة للإحصاء، فقد كذب الناس بشأن معطيات لتشخيص حالتهم الاجتماعية والاقتصادية بدقة. كذبوا بشأن عدد المنازل التي يتوفرون عليها، وبشأن عدد أجهزة التلفزيون التي يتوفرون عليها ووسائل النقل وحتى المستوى الدراسي للأسر وإمكاناتها المادية.
يتعلق الأمر في الحقيقة بحالة «فلسفية». عندما يحترق سوق عشوائي مبني بصفائح القصدير، تُحدد الخسائر بملايين الدراهم لدى عدد محدود من أصحاب المحلات. لكن عندما يتعلق الأمر بكشف للحساب، تجد أن أغلب المواطنين لا يتعاملون مع الأبناك إلا نادرا، وأن الدولة لا تعرف أي شيء عن «العادات» المالية للمغاربة، إلا عندما يتعلق الأمر بالموظفين الصغار الذين يحصلون على الأجرة الشهرية عن طريق الحوالة البنكية.
المندوبية السامية للتخطيط أعلنت في مناسبات كثيرة أن نسبة مهمة من المغاربة لا يتوفرون على حساب بنكي، وكشفت في مرات كثيرة أن أزيد من 80 في المائة من المواطنين عاجزون تماما عن الادخار. في حين أن الأغلبية «يُحوشون» أموالهم في منازلهم وليس في الأبناك. وهذا ما يفسر توصل الأمن والمحاكم بشكايات عن سرقة الودائع، وفقدان مبالغ مالية مهمة من داخل المنازل.
هذا التسرب الخطير في المعلومات قد يؤثر على دقة المعلومات المحصل عليها، كلما تعلق الأمر بدراسة للوضع الاجتماعي والاقتصادي للمواطنين المغاربة.
بالأمس كانوا يهربون من المقيم العام والحاكم العسكري في الإقليم، واليوم يمارسون البناء العشوائي ليلا حتى لا يراهم موظفو قسم التعمير في العمالة، ويكذبون كلما أتيحت الفرصة بشأن ما يملكون وما لا يملكون، كما لو أن هذه العادة القديمة رياضة وطنية بامتياز. المغربي دائما يتحسس عندما يسأله أحد عن ممتلكاته وحتى عن ديونه. لذلك نُعلق «الخميسة» في كل مكان تصله العين.