شجرة العائلة
بقلم: خالص جلبي
أظن أن كل واحد منا يتمنى أن يعرف أكثر عن أجداده، من كانوا؟ من أين جاؤوا؟ وكيف عاشوا؟
حاليا تنشط مؤسسات في أوربا وأمريكا في التحري عن أرومة أصول كل واحد منا. السيد تيمو كراكه من مدينة جاندركيزه القريبة من بريمن الألمانية من المدمنين على هذا البحث، ويعتبر حاليا عضوا ناشطا في الجمعية الألمانية للبحث في الجذور، ما يطلق عليه علم الجينيالوجيا، وهو عاكف على تتبع مصير أجداده الأولين بشغف ومتعة منذ عشرين عاما، ولقد استطاع الضرب في الجذور حتى عام 1415م فقد حالفه الحظ في العثور على ملكية أرض، تعود إلى السيد (ساندر أوبتي هورلو) الذي يتحدر من أصوله، والذي بدوره كان يعيش زمن يوحنا غوتنبرغ، مخترع الطباعة الأول. وهو الآن يتمتع بحصوله على هذه الوثيقة، بعد مرور 600 عام على حمل جدته العتيقة به في ظلمات التاريخ.
يبدو أن جده القديم عاش طويلا، نسبة لأعمار البشر في ذلك الوقت؛ فقد عمر حتى سن 78 عاما، وبينه وبين السيد كراكه 20 جيلا من الأجداد، إذا افترضنا أن القرن الواحد يقذف إلى الكون أربعة أجيال بمعدل 25 عاما لكل جيل في المتوسط.
حاليا ينشط البحث جدا في السويد وبريطانيا وأكثر في أمريكا، ويجتذب موقع النت أكثر من 30 ألف باحث، وثمة أندية واجتماعات وتبادل معلومات على الإنترنت؛ فهي مبذولة لكل باحث عن أجداده.
تقول إليزابيث تيم إن البحث عن الأرومة والأجداد المغيبين في بطن التاريخ هو بحث في الأنثروبولوجيا الثقافية. وهنا بالرجوع إلى 500 عام تتكوم الشجرة؛ لتضم أكثر من مليون إنسان (1048576) وهي كبة من الخيطان تختلط فيها الأنساب، ويصاب المرء بالدوار، فلا يعرف المرء أين يتم اشتقاقه ومن أي رحم خرج، ومن كان أبوه وجده وجد جده وهكذا حتى عشرين جيلا.
ولفهم هذه الصعوبة علينا مراجعة (الكنز الألماني) في مدينة لايبزيغ ومقابلة السيدة ثيكلا كلوتيج، وهي مديرة المركز الألماني للأنساب، حيث يمتد 21 رفا من المخطوطات الثمينة بطول كيلومتر، تضم ما يخطر وما لا يخطر على بال من محاضر الشرطة، ووثائق الكنائس، وشهادات الوفيات، وآثار مخطوطة تم جمعها من كل أرجاء ألمانيا.
تمد السيدة كلوتيج يدها إلى مخطوطة تعود إلى عام 1713 م وتشير إلى الكتابة؛ إنها غير مقروءة إطلاقا وكتبت على عجل، وتقول إنه جهد خارق التوغل في التاريخ لمعرفة الأسماء والأشخاص والأحداث، حتى أسماء المدن تغيرت. بقي علينا أن نعرف أن معظم التاريخ الأوربي احترق في لهيب حرب الثلاثين عاما المذهبية على أرض ألمانيا (1618 ـ 1648م).
في ما يتعلق بالتاريخ الأوربي يقوم حاليا مشروع (الماموت) لحفظ التراث، خاصة منذ الحرب العالمية الأولى، حيث جند 700 عضو من المنظمة أنفسهم من أصل 3600 عضو لها، حين بدأت الكتابة الواضحة بالضرب على الآلة الكاتبة منذ عام 1915م.
في ربيع 2017 م احتشد في مدينة مونستر الألمانية أكثر من 1200 زائر وهاو ومصمم ودور نشر ونواد وجمعيات مهنية، ومن يريد رسم شجرته العائلية عليه دفع 2000 أورو، أما المثير في اللقاء فكانت السيدة سيلفيا دا سيلفا التي كانت تؤشر لمن يريد معرفة نسبه أن تأخذ لطاخة من لعابه للفحص، وعليه الانتظار لمدة شهر ليعرف نفسه من أين جاء، مع الاحتفاظ بسرية المعلومات.
بالطبع صديقنا الألماني (كراكه) فوجئ بمعلومة لم يصرح عنها، أن بعضا ممن حوله تبين له حسب الفحص الجيني المذكور أنهم يحملون أسماءهم بالخطأ؛ فحسب الفحص الجيني يجب أن يغيروا أسماءهم.
فلمن يكون حظ الانتساب؟ يقول (تيمو كراكه) دعك من الفحوصات الجينية وانتسب لمن تحب.
أنا شخصيا يسرح بي الخيال بالاتجاه المعاكس، ليس أين عاش أجدادنا، بل كيف سيعيش أحفادنا من بعد؟
أنا شخصيا خالص مجيب بن توفيق جلبي، قالت لي أمي إنها ولدتني والفرنسيون يغادرون سوريا (ربما عام 1946 أو 1945، أما اليوم والشهر والساعة فعلمها عند ربي)، وأعرف أن أبي ولد عام 1911م المزعوم ومات عام 2001 مع أحداث البرجين عن عمر التسعين، والآن بعد قرن بلغ رقم الأحفاد من توفيق وأمي جاهدة أكثر من خمسين، حاولت أن أعمل لهم شجرة وتمنيت أن يحصل لقاء عائلي للجميع، ولو كنت ثريا كفاية لتكفلت بمنحهم تذاكر وإقامات مجانية لاجتماع يومين فنصور الجميع. فهل سيأتي من أولاد أحفاد أحفادي من سيقرأ مقالتي هذه؟ أشك وربما مترجمة له، أو في أحسن الأحوال سيرطن بالإنجليزية أنه ربما جد جدي هرب من بلد اسمه؟ آه نسيت ربما سيري! يقولون إنه هرب من بشار البراميلي (Barrel) ولكن لماذا سمي بالبراميلي؟ يكرر ويرطن بلغة ريتشارد قلب الأسد يقولون كان يضرب الناس بالبراميل، إنها قصة غبية دعنا منها.