يونس جنوحي
ألّف ساخرون روس أغنية من شأنها أن تحرق أعصاب الحكومات في أوروبا. يتعلق الأمر بالغاز الروسي الذي واظب على تدفئة منازل الأوروبيين وإداراتهم، وبقطع إمداداته سوف تصبح برلين ولندن وباريس، كما تقول الأغنية، مناطق جليدية.
هل فعلا تتوقف التدفئة في أوروبا والطاقة عموما، على إمدادات الغاز الروسي؟ الخبراء حول العالم يقولون دائما إن الدول الكبرى تتوفر دائما على خطط بديلة، ولا تضع بيضها في سلة واحدة. لكن عندما يتعلق الأمر بإمدادات الغاز وتكلفة مد أنابيب بطول مئات الكيلومترات، فإن وضع خطة بديلة يعتبر بالتأكيد أمرا مكلفا للغاية.
قبل شهرين، دعا خبراء ألمان مواطني بلادهم إلى ترشيد استعمال أجهزة التدفئة المنزلية وضبطها جيدا، بطريقة تمكن من توفير نسبة مئوية تقارب 20 في المائة، بحركة بسيطة جدا. إذ إن ضبط الجهاز بدرجة تدفئة أقل، من شأنه أن يؤثر على فاتورة الاستهلاك السنوية. أما إطفاء الجهاز عند مغادرة المنزل، وعدم استعماله إلا في الأماكن التي يجتمع فيها أفراد الأسرة الواحدة، فمن شأن ذلك أن يقلص ضغط الاستهلاك اليومي بنسبة أكبر.
هناك دول تلتهم أغلب مصادر الطاقة حول العالم، وتُنتج ثاني أكسيد الكربون بنسبة أكبر، لكنها تحرص على حماية المحميات الطبيعية والغابات وتضع قوانين لرعاية المساحات الخضراء. وفي المقابل هناك دول أخرى تدفع فاتورة الاحتباس الحراري، رغم أنها لا تشارك في الانبعاثات إلا بنسبة تقل عن 1 في المائة، وهذا ما حدث مع باكستان، الأسبوع الماضي. إذ وقف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في زيارته قبل يومين إلى البلاد، على مخلفات الدمار الذي تسببت فيه الفيضانات الأخيرة التي شهدتها البلاد، خصوصا إقليم السند، حيث قطعت الطرق وأصبح التنقل بين بعض المدن مستحيلا، ولجأ وفد الأمين العام للأمم المتحدة إلى استعمال الطائرة للوصول إلى المناطق المنكوبة وتفقد الضحايا.
وسبب تلك الفيضانات المدمرة، هو التغير المناخي والاحتباس الحراري، ما جعل الإقليم يغرق بسبب السيول.
خلال السنوات الأخيرة حذر الخبراء من ارتفاع منسوب المياه، بسبب انصهار جبال جليدية في قطبي الأرض. لكن انبعاثات الدول الصناعية الكبرى من ثاني أكسيد الكربون بقيت في ارتفاع.
خلال فترة الحجر الصحي الشامل، انتبه العلماء إلى أن ثقب الأوزون قد بدأ «يتعافى»، وأن الأرض استرجعت خلال أشهر قليلة جدا عافيتها التي فقدتها، بسبب التلوث المتواصل لأزيد من ستين سنة.
تماثل الطبيعة للشفاء بسرعة، يعطي الأمل في أن هذه الكوارث التي تحل بالأرض من الممكن أن تتراجع.
أما عندنا في المغرب، فموسم الشتاء والبرد القارس قادمان بقوة. ومن جديد سوف نرى مواطني المناطق النائية يستغيثون لكي يحصلوا على الحطب الكافي لإبقاء المستشفيات والمدارس دافئة، وسوف نسمع من جديد عن الطرق المقطوعة، بسبب التساقطات، وعن رؤساء الجماعات الذين يأتون إلى الرباط لكي يطرحوا الأسئلة الشفهية على الوزراء، ويشربوا قهوتهم في «حسّان»، قبل أن يعودوا إلى المداشر وهم على متن سيارات الجماعة. ولو باعوا واحدة فقط من تلك السيارات الفارهة، لاشتروا جهاز تدفئة لكل منزل.
العالم غريب فعلا. هناك دول كبرى تقطع عليها روسيا إمدادات الغاز، وتتوعدها بشتاء قاس جدا. وهناك جماعات صغيرة في المغرب المنسي يتكلف رؤساؤها بالأمر كل سنة، وينجحون فيه كل مرة.
الشتاء المقبل سوف يكون «ساخنا» لا محالة، على الأقل عند البعض.