شبهة فساد
حسن البصري
ارتفعت الأصوات مطالبة بفتح تحقيق في نتيجة مباراة في كرة القدم، جمعت الدفاع الحسني الجديدي بفريق يوسفية برشيد. هناك شبه إجماع على أن المباراة فيها شيء من «إن وأخواتها»، دون المدونون قلقهم بحبر الألم وغرد المغردون وقالوا يا ويلتي، وبكت نائحات الزمامرة من ظلم ذوي القرب.
انتقل المحقق كونان إلى مدينة الجديدة للتحقيق في شبهة فساد، انتهت بتفويت نتيجة مباراة لفريق كأن في أمس الحاجة إلى نقطها. استمع المحقق لأطراف النازلة، وهو يبحث عن أجوبة لأسئلة تراقصت أمام عينيه المختفيتين وراء نظارة سوداء.
وعد المحقق بفك لغز المباراة التي أصبحت قضية رأي عام رياضي، استنطق اللاعبين والحكام والمسيرين والمطالبين بالحق المدني، استمع لشكاوى المتضررين من التفويت، وتساءل عن سر تحول كثير من عناصر الفريق الدكالي إلى لاعبين من صنف الرخويات.
استفسر المحقق عن سر غياب مدرب الفريق الجديدي عبد الحق بنشيخة، وإصراره على مقاطعة المباراة، فقيل له إن نزلة برد قد ضربت المدرب، فمنحه طبيب الفريق إجازة مرضية.
سأل المفتش مسيري النادي الدكالي عن سر غياب عميد الفريق المهدي قرناص ومغادرته معسكر الدفاع الجديدي ليلا، فبرروا الغياب بانقطاع حاسة الشم عن العميد، ووجوده على أعتاب الوباء.
قيل لحارس المرمى: لماذا كنت سخيا مع مهاجمي أولاد حريز، محسنا سكن الإيثار تدخلاتك؟ فقال إن الحسنة في نهاية البطولة بعشر أمثالها. ردد كاتب المحضر: أشهد أن لا حارسا أتقن اللعبة إلا أنت.
حاول المحقق استنطاق أربعة مسيرين قدموا استقالتهم بعد المباراة، وسعى إلى الربط بين الاستقالة والخسارة الفاضحة، فأحالوه على بلاغ يرفضون فيه لعب دور الكومبارس كما فعل بعض اللاعبين، الذين دخلوا المباراة بتأشيرة من مسؤول «كاستينغ» أكد قدرتهم على تشخيص أدوار الفيلم الكوميدي.
طالب المحقق المستبصر بالكشف عن مضامين تسجيلات كاميرا المراقبة لمقر إقامة الفريق الجديدي، للوقوف على زوار الليل الذين أيقظوا اللاعبين من سباتهم، وقدموا لهم تعليمات تحت جنح الظلام ثم ابتلعهم الظلام.
سيحفظ الملف في دولاب الحفظ الصدئ، وستهب طبقات غبار سميكة لتغطي الواقعة وتدخلها قبو النسيان، فمنطق لجنة الأخلاقيات يقول: كم قضية حسمناها بتركها.
قبل أربع سنوات طالب المجتمع الكروي بفتح تحقيق في مباراة جمعت بين فريقي تمديد أكادير واتحاد طاطا، حيث سمح الأكاديريون لفريق طاطا بزيارة شباك حارسهم ثلاث وعشرين مرة، حصة خرافية جعلت الجمهور يقرأ اللطيف ويتساءل في نهاية مباراة كرة القدم المصغرة عما إذا كانت المواجهة مجرد كاميرا خفية؟
قدمت فرق العصبة دلائل تثبت تسلل «إن وأخواتها» إلى الملعب، وقدمت تسجيلا صوتيا يكشف مخطط المؤامرة، وشريطا يثبت مدى استعداد حارس المرمى لفتح مرماه أمام كل من سولت له نفسه تسجيل الأهداف.
تصدت عصبة سوس للفضيحة بقرار كتبه نجار سراميك بلغة خشب أشجار الفرشي، واختارت لجنة الأخلاقيات الصمت وسجلت القضية ضد «مجهول»، بينما طالبت لجنة حماية المستهلك بمعاقبة الحكم الذي ساهم في رفع الحصة.
لن نحتاج إلى إعادة تمثيل الجريمة، لأن الاعتراف أحيانا يصبح «خادم» الأدلة لا «سيدها»، لن نعاتب أعضاء لجنة الأخلاقيات على تراخيهم، فقد أقسموا أنهم سوف يسهرون على تنزيل قانون العقوبات، دون أن يحددوا توقيت السهر ومكانه. وإذا كان الوضع بهذه القتامة في قسم صفوة القوم، فإن المشهد مثير للسخرية في بطولات القسم الشرفي، حيث تنسحب الروح الرياضية وتأخذ إجازتها السنوية في عز الصراع الكروي.
ما زال البيضاويون يذكرون حكاية الحارس الذي اكتشف المدرب تلاعبه بنتيجة إحدى المباريات، بعد أن لاحظ زملاؤه حدوث تغيير على طقم أسنانه، ولأن رئيس الفريق «المشتري» يمارس مهنة «صانع أسنان»، فإن كل الخيوط كانت تؤدي إلى إدانة رئيس الفريق والحارس بتهمة نشر «السوسة» في المشهد الكروي.