شبح العزل
يخيم شبح العزل على رؤوس العديد من البرلمانيين ورؤساء الجماعات الترابية، بسبب خروقات التسيير والتعمير والقرارات الانفرادية وملفات الفساد المالي والإداري وعدم التصريح بالممتلكات، وهو ما يطرح مسألة الشفافية والنزاهة في التزكيات والقطع مع سعي الأحزاب خلف الأرقام الانتخابية دون احترام أدنى معايير الكفاءة والقدرة على تجويد الخدمات.
لقد كشف التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات أن 474 مترشحا، باسم 28 حزبا سياسيا ومنظمة نقابية واحدة، لم يصرحوا بمصاريف حملاتهم الانتخابية وبالتالي يتهددهم العزل من المنصب مع ترتيب الآثار القانونية، علما أن التصريح سواء بالممتلكات أو مصاريف الحملة الانتخابية، لا يتطلب إجراءات معقدة ولا يحتاج إلى مجهودات كبيرة بقدر ما يتعلق الأمر بعملية إدارية بسيطة وإنذارات يتم توجيهها إلى المعنيين.
إن تهرب المنتخبين من التصريح بمصاريف الحملات الانتخابية لا شك أنه يتعارض مع السعي إلى تنزيل محاربة الفساد الانتخابي وتخليق الحياة السياسية، والحد من التدخل السافر للمال في حرية اختيارات الناخبين في التصويت، واستغلال مظاهر البؤس والفقر في انتخاب الأشخاص عوض البرامج الواضحة للتنمية أو دعم الانتماء للأحزاب والقناعة بخلفياتها الإيديولوجية والسياسية.
تهرب بعض المنتخبين والمسؤولين من تبرير المصاريف الخاصة بالحملات الانتخابية والتهرب من التصريح بالممتلكات، مرده إلى الفشل في تبرير المصاريف المرتفعة التي تصرف خارج دعم الأحزاب خلال الحملات الانتخابية وشبهات شراء الأصوات والفساد، فضلا عن التهرب من تبرير الثروة بالنسبة للممتلكات ومقارنتها بالمداخيل وتتبع أداء الضرائب.
تعتبر عمليات التصريح بالممتلكات والتصريح بمصاريف الحملة الانتخابية، من أهم مداخل تخليق وإصلاح العملية الانتخابية، والعمل على الحد من الفساد واعتماد الشفافية في التزكيات الحزبية، ما يمكن معه فتح المجال للكفاءات والطاقات للمشاركة في تسيير الشأن العام والمساهمة في تجويد الخدمات العمومية والحفاظ على المال العام.
إن تقارير المجلس الأعلى للحسابات ليست للاستئناس فقط أو استعمالها في المزايدات الانتخابوية واستغلال الأرقام الرسمية في أجندات خاصة، بل يتعلق الأمر بناقوس ينبه لأعطاب العملية الانتخابية وتتبع المال العام يليه تفعيل المحاسبة وفق الصرامة المطلوبة، لأن الفساد يعرقل انطلاق بلد بأكمله نحو مستقبل أفضل وانعتاقه من أغلال الفقر والتهميش والمشاكل الاجتماعية.