شوف تشوف

الرئيسية

شارل دو فوكو جغرافي وضع خلطة التاريخ والجغرافيا في إناء السياسة وانتهى جثة هامدة

حسن البصري

ولد شارل دو فوكو في 15 شتنبر 1858، داخل بيت يقع في حي برولي بمدينة ستراسبورغ الفرنسية. بدأ عسكريا وأصبح من خدام الحكومة الفرنسية، قبل أن ينتهي به المطاف مبشرا في شمال إفريقيا. وصفه هشام المعروفي في كتابه «عبير الزهور» بركن من أركان الإقامة الفرنسية. ولأن شارل كان رساما ماهرا، فقد رسم لوحة صور فيها الشمال الإفريقي كطائر صدره الجزائر وجناحه الأيمن تونس والأيسر المغرب. وطيلة دعوته لقبول الوصاية الفرنسية على تونس والمغرب، كان شارل يردد قولته الشهيرة: «لا يمكن للطير الفرنسي أن يبقى بدون جناحين»، في زمن كانت فيه الجزائر تعد مقاطعة فرنسية.
في سنة 1887 حل شارل بالمغرب وبدأ يتجول في ربوعه بزي رجل دين، وكان من الممهدين للاستعمار الفرنسي بالمغرب، فمهمته كانت واضحة وتمثلت في «رسم خارطة الطريق»، إذ كان يجوب الدواوير والقرى والمدن، لإيمانه الراسخ بأن السبيل الوحيد لضمان ولاء المغاربة لفرنسا هو تبشيرهم بجدوى العيش في كنف الكولونيالية.
تشبع شارل دو فوكو بالفكر الاستعماري حين عين ضابطا عسكريا في مدينة سطيف الجزائرية، حيث شارك في مفاوضات لتذويب الخلاف بين الفرنسيين والمجاهدين، كان عمره آنذاك 23 سنة، إلا أن ميولاته نحو اكتشاف المناطق الجديدة، خاصة دول المغرب العربي، ساهم في تقديم استقالته من الجهاز العسكري والانكباب على البحث والتحري، بعد أن طاب له المقام في العاصمة الجزائرية، وتعرف على شخص يهودي يدعى ماك كارتي الذي كان قيما على المكتبة الجزائرية، فضلا عن تعرفه على الحاخام مردوخي أبو سرور الذي قربه لفهم الديانة اليهودية.
لكن الغريب في مسار هذا المخبر الفرنسي، أنه لم يأخذ من اليهودية سوى زيها، إذ حرص على عدم مخالطة الطائفة اليهودية، ولم يدخل الملاح إلا نادرا ما أثار شكوك المغاربة. اشتغل الرجل على الجغرافية المغربية واعتبرها مسلكا هاما لفهم أحوال البلاد، لاسيما وأنه تمكن من الإلمام باللغتين العربية والأمازيغية ونزرا قليلا من العبرية.
دون شارل ملاحظاته ورسم بدقة الطرق والأنهار والقناطر والجبال والسهول وكل المعطيات الجغرافية حول المغرب، في رحلة دامت سنة كاملة، وبدل أن يعود إلى فرنسا اختار الجغرافي العودة من حيث أتى أي الجزائر عبر وجدة ولالة مغنية.
فور وصوله إلى الجزائر سنة 1884، دون دو فوكو أشلاء البيانات التي جمعها حول المغرب، وحولها إلى كتاب «التعرف على المغرب»، وهو مرجع مثقل بالوثائق والصور والخرائط والمعطيات الديموغرافية والطبيعية، كما خصص حيزا لرصد العادات والتقاليد والديانات، ما جعله ينال تنويها خاصا من «الجمعية الجغرافية لباريس»، لأنه أسدى للحكومة الفرنسية وللإدارة الاستعمارية خدمة كبيرة، جعلتها تحقق المبدأ الذي اعتمدته في صراعاتها «اعرف عدوك»، والمعرفة هنا كانت عبر الجغرافيا.
انتهى الرجل داعية للمسيحية في دير بالقاهرة، وقضى أيامه الأخيرة تائها بعد أن فقد بوصلة التاريخ والجغرافيا، بينما تقول بعض الروايات إنه اغتيل سنة 1916 خارج أبواب الحصن الذي بني له بحماية الطوارق في تمنراست بالجزائر. وقيل إن منفذ عملية القتل يدعى المدني ولقد فر مباشرة بعد تصفية شارل صوب ليبيا ليقضي فيها ما تبقى من حياته، أما دو فوكو فاعتبرته فرنسا شهيدا وتم تأبينه من قبل البابا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى