شائعات «الحريك»
لا شك أن في توالي شائعات الهجرة السرية الجماعية والتحريض على الهجوم والاصطدام بالقوات العمومية، خطرا حقيقيا على الأمن العام، ومحاولة جهات إثارة الفوضى وزراعة الفتن بالمناطق الشمالية، لخدمة أجندات إقليمية، لكن الرهان الذي يجب أن ينجح فيه الجميع هو الرفع من مؤشرات التنمية والتشغيل وتفويت استغلال الأرضية المناسبة لتنامي هذه الشائعات مهما كان مصدرها وموضوعها أو الأجندات الضيقة التي تختفي خلفها.
نحن أمام خطر محاولة جهات تحديد تواريخ متسلسلة لشائعات الهجرة السرية الجماعية، والعمل على توسيع انتشارها وفق بهارات التضخيم، واستغلال فوضى النشر بالمواقع الاجتماعية وتهافت القائمين على صفحات أو مواقع بتك توك على جمع المتابعات والتكبيس ونقرات الإعجاب بهدف تحصيل الأموال دون اعتبار لخطر وتبعات الشائعات على الأمن والسلم الاجتماعي وتهديد استقرار البلاد.
لقد أبانت السلطات المغربية على حرفية عالية في مواجهة شائعات «الحريك» استخباراتيا وأمنيا، حيث لم ينجح أي شخص في العبور غير القانوني كما لم يتم تسجيل أي حالة وفاة رغم الشغب الخطير والتحريض على الاصطدام بالقوات العمومية، لكن لا يمكن القبول باستمرار استنزاف الأخيرة في التعامل المتكرر مع مثل هذه الشائعات في حين هناك أولويات أخرى يمكن القيام بها ضمن الاختصاصات الموكولة إلى كل مؤسسة أمنية.
ان مسؤولية القطاعات الحكومية والمستثمرين والقطاع الخاص وكل المتدخلين، تتمثل في التنسيق الجيد والمعالجة العميقة لأسباب انتشار وتنامي شائعات الهجرة السرية الجماعية، وذلك بواسطة الرفع من مؤشرات التنمية وتشجيع المقاولات المتوسطة والصغيرة على تشغيل اليد العاملة، وطرح برامج التكوين الجادة والتشجيع على اندماج الشباب في العملية الاقتصادية.
إلى جانب الإجراءات الاقتصادية والتشغيل، لا يجب أن يبقى الباب مفتوحا أمام تجار الشائعات والتشهير والابتزاز وتمييع العمل الصحافي المهني بواسطة المنصات الاجتماعية بالداخل، لأن ذلك بمثابة فيروس يتنقل بيننا ويعيد تدوير كل ما يرد من الخارج من شائعات دون تمحيص كما يصاب بالعمى أمام إغراءات تحقيق مداخيل مالية ضخمة ما يمكن من خلاله تضخيم الشائعات لتحرق الأخضر واليابس لا قدر الله خاصة في ظل غياب العقلية النقدية وضعف تكوين وتعليم شريحة واسعة من المواطنين الذين يملكون هواتف ذكية ويصدقون كل ما يطالعون فيها سيما ما يستهدف العواطف والتجييش واستغلال عامل اليأس.
لقد اضطرت السلطات المغربية خلال الشائعة الأخيرة التي تضمنت دعوات خطيرة لتعنيف القوات العمومية والاصطدام بها، إلى إنزال مكثف للقوات العمومية، ودراسة حفر خنادق بواسطة آليات ضخمة للحفاظ على السلامة والأمن، كما استدعى الأمر اجتماعات أمنية ميدانية مستمرة، وهو الشيء الذي يستنزف الجهود الأمنية في مشكل الهجرة السرية البالغ التعقيد ويتطلب معالجته اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وحتى ثقافيا قبل فوات الأوان.