البعض يتبادل نشر لائحة أسماء الوزراء اليهود العشرة من أصل مغربي الذين عينهم نتانياهو في حكومته فرحين مبتهجين من هذا التعيين.
ما قام به نتانياهو ضربة للمغرب على أكثر من مستوى.
أولًا نتانياهو وشريكه في الحكومة غانتس يستعدان لفرض السيادة على غور الأردن. وقد عبر ملك المملكة الهاشمية الأردنية عن أن هذا القرار سيشعل الحرب بين البلدين، وها هو ملك الأردن يستعد لوقف العمل بمعاهدة السلام مع إسرائيل، فتبعه محمود عباس وأعلن تعليق كل الاتفاقيات بين السلطة الفلسطينية وسلطات الاحتلال.
نتانياهو يستعد لتطبيق مشروع صفقة القرن، وقد شكل الحكومة التي ستسهر على تطبيق هذا المشروع.
موقف المملكة المغربية كان واضحا منذ الأول، بحيث رفض المغرب الانخراط في هذه الصفقة التي تلغي جميع حقوق الشعب الفلسطيني وحقوق العرب والمسلمين في القدس.
عندما يشكل نتانياهو حكومة ويعين فيها عشرة وزراء من أصول مغربية بحقائب استراتيجية مهمة فهو يحاول أن يقحم المغرب عنوة في مخططاته الجهنمية.
الواقع أنه منذ سنوات يحاول نتانياهو التقرب من المغرب من أجل إحداث اختراق وتطبيع رسمي بين الرباط وتل أبيب. لكن محاولاته كانت دائما تبوء بالفشل، ولعل الجميع يتذكر عندما ألغى الملك محمد السادس في عام 2017 مشاركته في قمة إقليمية خاصة بغرب إفريقيا لتفادي لقاء نتانياهو.
ومؤخرا كانت آخر محاولة تقرب من المغرب طلب إرسال طائرة تابعة لشركة العال الإسرائيلية لترحيل اليهود المغاربة الذين عبروا عن رغبتهم في العودة إلى إسرائيل بعدما تفشت في طائفتهم كورونا بسبب مناسبات دينية يهودية حضروها رغم منع الدولة لمثل هذه المناسبات، حيث كتبت الصحافة الإسرائيلية أن يهود المغرب كانوا الأكثر استهدافا من كورونا ضمن كل يهود العالم. وفقد عمير بيريز وزير الدفاع الأسبق لوحده ثلاثة من أفراد عائلته في الدار البيضاء، وتوفي حوالي ثلاثة عشر آخرون يعدون من كبار أحبار ومؤرخي وحاخامات اليهود بالمغرب.
لكن المغرب رفض أن تحط طائرة شركة العال في مطار الدار البيضاء، فحاولت جهات متسرعة في الإمارات بتنسيق مع جهات في تل أبيب أن تلعب دور الوسيط خلف ظهر المغرب وأن ترحل في طائرة تابعة لطيران الإمارات مواطنين إماراتيين عالقين بالمغرب ومعهم اليهود المغاربة، لكن المغرب رفض وبقية القصة وما رافقها من طنين للذباب الإلكتروني تعرفونها.
إلى أن أرسل ملياردير يهودي اسمه شيلدون أديلسون تصنفه مجلة فوربس في الرتبة الثامنة ضمن أغنى أغنياء العالم لديه جمعية أسسها مع زوجته اسمها أديلسون فوندايشن هي التي تكلفت بنقل اليهود المغاربة نحو تل أبيب عبر طائرته الخاصة انطلاقًا من مطار فرنسا الذي وصلت إليه طائرة تابعة للخطوط الفرنسية أقلعت من الدار البيضاء وعلى متنها اليهود المغاربة رفقة مسافرين فرنسيين آخرين .
هذا الملياردير صديق حميم لنتانياهو، وهو يعتمد عليه كثيرا لمرافقة تنزيل صفقة قرنه التي ستمول أغلب أقساطها دول عربية شرق أوسطية.
في إسرائيل كان دائما هناك صراع بين اليهود الأشكناز
وهم يهود الشتات الذين اجتمعوا في الإمبراطوربة الرومانية في نهاية الألفية الأولى، وبين اليهود السفارديين، وهم اليهود الذين استوطنوا شبه جزيرة إيبريا قبل سقوط الأندلس، وعاشوا مع المسلمين في شمال إفريقيا، والمغرب خصوصا.
الأشكيناز يعتبرون أنفسهم أحق بالسلطة لأنهم هم من تعرض للاضطهاد على يد المسيحيين الأوربيين وخصوصًا محارق النازية، فيما السفارديون عاشوا دائما في كنف المسلمين بسلام.
اليوم يبدو من خلال الحكومة التي شكلها نتانياهو أنه يعول على دعم اليهود السفارديين الذين ولدوا لآباء عاشوا في المغرب ودول عربية مسلمة من أجل استكمال مخططه التطبيعي مع الدول العربية التي ما زالت تمانع.
لذلك فتبادل نشر صور وأسماء هؤلاء الوزراء على أساس أنهم مغاربة خطأ كبير. فهؤلاء وزراء إسرائيليون في كيان محتل يريد أن يستولي على فلسطين بالكامل وأراض من مصر والأردن وسوريا ولبنان لإقامة دولة إسرائيل الكبرى، ويرمي الفلسطينيين في رقعة صغيرة من الصحراء بمصر.
نعم أصولهم من المغرب لكن ولاءهم الكامل والتام لإسرائيل. لا يجب أن ننسى ذلك.
وفي موضوع القدس تحديدا فالمغاربة، عكس الشعوب الأخرى، لديهم حساسية خاصة تجاهه. فالمغاربة لديهم حي في القدس يسمى حارة المغاربة وباب يحمل اسمهم يخلد مجيئهم لنصرة القدس أيام صلاح الدين الأيوبي الذي أوقف الحي عليهم.
كما أن أكبر المسيرات نصرة لفلسطين كانت تلك التي نظمت في المغرب. إذن ففلسطين والقدس متجذرة في وجدان المغاربة وليست مجرد عاطفة عابرة، لذلك يحدث أن تجد مغاربة فلسطينيين أكثر مِن الفلسطينيين أنفسهم. تماما مثلما يحدث أن تجد عندنا صهاينة أكثر صهيونية من الصهاينة أنفسهم.
علينا أن نفهم شيئا أساسيا وهو أن الصراع في فلسطين ليس وليد هذا القرن بل هو صراع أزلي، وسيبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وسيشهد التاريخ أن الفترة التي يحكم فيها الإسلام القدس يسود السلام وتتعايش في كنفه اليهودية والمسيحية، تماما كما حدث خلال ثمانية قرون بالأندلس.
إسرائيل اليوم تضغط لكي يتم تدريس أبناء العرب والمسلمين الهولوكوست مثلما يفعلون في أوربا حيث يورثون عقدة الذنب للأجيال القادمة وبأن عليهم تذكر ما قام به أجدادهم ضد اليهود وأن يشعروا بالعار جيلا بعد جيل.
نحن وأبناؤنا غير معنيين بهذا الموضوع، فآباؤنا لم يجمعوا اليهود لكي يرسلوهم لهتلر في القطارات كما فعلت حكومة فيشي الفرنسية لكي يدخلهم النازيون لأفران الغاز. التاريخ الذي يجب أن يدرس لأبناء المغاربة والمسلمين بشكل عام ليس هو ذلك المبنى السخيف الذي أراد أن يشيده معتوه في نواحي مراكش لتخليد ذكرى المحرقة بل إن التاريخ الذي يجب تلقينه لهم هو كيف حمى المغرب يهوده واعتبرهم مغاربة. وأيضا كيف حمى المسلمون اليهود في الأندلس طيلة ثمانية قرون وكيف عاشوا في كنف الخلافة الإسلامية وكان منهم الأطباء والفلاسفة والعلماء والشعراء، وحتى عندما طرد المسلمون من الأندلس واضطهدت الكنيسة اليهود فإنهم فروا من جديد نحو المغرب لكي يحتموا بكنف المغاربة العرب والأمازيغ فعاشوا في مدنهم وقراهم ومداشرهم وكان منهم التجار والحرفيون والأطباء والصيارفة والمستشارون في البلاطات.
الإسرائيليون أنفسهم ليسوا سواء، فهناك اليهود الذين يعتقدون أن دولة إسرائيل الكبرى، وهي فكرة صهيونية، ستقوم بعدما عاقب الله اليهود بتشتيتهم حول الأرض وأن “أورشليم” ستكون مكان ميعادهم حيث سينشئون دولة إسرائيل. وإلى جانب هؤلاء هناك اليهود المتدينون الذين يرفضون هذه الفكرة ويعتقدون أن اجتماع يهود العالم في مكان واحد هو إشارة بقرب تشتيتهم من جديد، لأن الإرادة الربانية، حسب اعتقادهم، حكمت على اليهود بالشتات وأن يعيشوا منتشرين حول العالم، فهم ملح الأرض إذا اجتمع في مكان واحد أفسده وإن تفرق فيها أفاده وأعطاه طعما خاصا.
وأخيرا علينا أن نعي حقيقة مهمة وهي أن الصراع في فلسطين ليس صراعا سياسيا أو اقتصاديا بل إنه صراع ديني أولا وأخيرا.