سيناريوهات الأزمة اللبنانية
خالد فتحي
لم يخرج اللبنانيون للتظاهر ضد انتشار الأزبال في العاصمة، أو لأجل رفض ضريبة صغيرة على «الواتساب». فتلك تفاصيل صغيرة، أو هي فقط القطرات التي أفاضت كأس التذمر الاجتماعي من الأوضاع المتردية. فهم يقولون إنهم قد سئموا من الطائفية المقيتة التي ترهن البلاد، وإنهم اكتشفوا متأخرين أن كل الطبقة السياسية سواسية في التلاعب والاستهتار بمستقبل البلاد باستمرائها للوضع الطائفي، وتحويله إلى ريع دائم لها تسعى إلى ترسيخه. فكلها تغذي التناحر، وتنشر الضغينة والانقسام، ولا تنمي إلا التوجس والخوف بين الفئات اللبنانية نهارا، في حين تجتمع ليلا لتقاسم كعكة السلطة.
هو وعي جديد ينبثق لدى الشعب اللبناني من رحم معاناته اليومية مع شظف الحياة، الذي صار يوحد اللبنانيين فيتجاوزون به الآن نخبتهم السياسية ليعلنوا رغبتهم في إقامة الدولة المدنية، التي تقوم على أساس المواطنة وسيادة القانون. لأنه لا أمل في الخلاص في ظل الفساد والطائفية، التي قال عنها الرئيس ميشال عون إنها نخرت اللبنانيين إلى العظم، ليظهر أنها في النهاية لم تكن إلا تلك العصا التي تلوح بها الزعامات السياسية للخلود في السلطة وتأجيل كل الإصلاحات. هذا هو لسان حال المظاهرات المستمرة التي خرج فيها السنة جنبا إلى جنب مع الشيعة والمسيحيين والدروز، لأجل دولة تكون جامعة وصاهرة لكل اللبنانيين. وهذا ما يتمنونه لإنقاذ بلدهم الذي صار على شفير الهاوية؛ مديونية، فساد، هدر، بطالة، تهريب أموال، نضوب استثمار وانهيار اقتصادي وشيك. ولكن هل تنال المطالب بالتظاهر؟ بالطبع لا وهذا سيتأكد أكثر بلبنان، إنها لا تنال إلا بالغلبة التي تعني الخروج من شرنقة الطائفية. فهل بوسع الثورة أن تغلب لتطبق مشروعها؟ وما هي حظوظها؟ وما هي السيناريوهات الممكنة لها؟
هناك ثلاثة سيناريوهات في الأفق ستجري نحو أحدها الثورة اللبنانية.
الأول: أن تنكفئ هذه الثورة ويقل وهجها وزخمها بمرور الوقت، ويعود الشارع الغاضب إلى هدوئه، واستئناف الحياة العادية مكتفيا من الثورة بالإياب بحزمة الإصلاحات المعدودة التي ستفرج عنها نفس الطبقة السياسية، خصوصا بعد خرجة زعيم حزب الله الذي أغلق باب إسقاط الحكومة، لأنه سيؤدي حسب رأيه إلى السقوط في المجهول وأنه من الأجدى تغيير منهجية الحكومة فقط. لأن تجريب انتخابات أخرى لن ينجب إلا نفس خريطة التشكيلة الطائفية. فلا مهرب من الطائفية إلا إلى الطائفية. هذا الدفع يعتبر أنه لا جدوى من الثورة هكذا في بلد ذي خلفية طائفية. لذلك يتذرع بالعقلانية ونفاذ البصيرة ومعرفة إمكانات التغيير.
الثاني: أن تنجح هذه الثورة غير المسبوقة فعلا في إسقاط الحكومة أو استقالتها، وهنا ستجد نفسها أمام تحدي عدم استنساخ نفس النظام الطائفي. آنذاك قد يدخل لبنان في الفراغ، بعدما ينزل الثوار من علياء ورومانسية الأحلام إلى حقائق الواقع ومحدودية الممكن، وهنا تستحضر الذاكرة اللبنانية كيف تطلبت حكومة الحريري الحالية أكثر من 8 أشهر لتأليفها. وتنصيب الرئيس عون 29 شهرا، وهذا وضع سيزيد من تأزم البلاد.
الثالث: أن تتحول المظاهرات نفسها إلى اقتتال بين الطوائف اللبنانية، فمن الممكن أن تتذكر الحشود نسبها الطائفي وولاءاتها القديمة. فبين المتظاهرين قد يندس أعداء التغيير المكلفون بمهمة ممانعة التغيير. لتمنع الحراك مما يريد. وبينهم أيضا من هو قادر على إيقاظ غول الطائفية النائم في الساحات بمجرد شعار أو حادث بسيط. ناهيك عن الجهات الأجنبية التي تحرك كل شيء من وراء الستار، فهل يستطيع الحراك أن يصمد؟ هل بإمكانه أن يحضن نفسه؟ وهل لديه بديل مغاير قابل للتطبيق عن ما هو كائن، أم أن هذا النظام بنيوي قدر للبنان؟ فالحكومة إن كانت لا تستطيع، فهي تعرف أيضا أن الشعب بدوره لا يستطيع.