«سيرفيس سيفيل»
استغرب الوداديون لقرار تعيين رئيس فريقهم عبد الرزاق مكوار، سفيرا للمغرب في لاهاي، لم تكن في هذه المدينة سفارة، لكنها تضم مقر محكمة لاهاي الدولية، أراد الملك الحسن الثاني أن يظل مكوار قريبا من ملف الصحراء الذي كان يعرض في هذه المحكمة.
أنشأ رئيس الوداد سفارة لا تبعد عن محكمة المنازعات الدولية إلا بأمتار، حتى قيل إن صدى المرافعات كان يتسلل إلى مكتبه.
انتهت مهمة مكوار في هولندا بعد الفوز نتيجة وأداء بمباراة ديبلوماسية في غاية الأهمية، حيث صدر حكم يزكي مغربية الصحراء، ليتم الإعلان عن المسيرة الخضراء. ويعود مكوار إلى الوداد بعد قضاء فترة الخدمة «الوطنية» في الأراضي المنخفضة.
حين كان المواطنون المغاربة يصطفون في طوابير أمام مكاتب التسجيل لنيل شرف المشاركة في المسيرة الخضراء، كان محمد بن جلون، الرئيس المؤسس للوداد، في طليعة المتطوعين، مصرا على تلبية نداء الحسن.
في المقاطعة نفسها سيقف المعطي بوعبيد في طابور المتطوعين، وينتزع بطاقة التأهيل لحضور حدث المسيرة الخضراء. كان الرجل يشغل منصب نقيب لهيئة المحامين بالدار البيضاء، ولأنه رجاوي حتى النخاع، فقد التمس من القائمين على الكرة تأجيل البطولة إلى أن تعود جماهير الملاعب من الصحراء.
سيصبح المعطي بوعبيد، بعد سنوات قليلة، رئيسا للرجاء ووزيرا للعدل ورئيسا للوزراء، اللهم بارك، وسيصبح الشاب الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان، حاكما لأبوظبي ورئيسا شرفيا لنادي العين الإماراتي، وهو الذي كان في طليعة المتطوعين.
شاركت البطلة شريفة المسكاوي في المسيرة الخضراء، مؤطرة للمتطوعات التابعات لإقليم الجديدة، وهي حينها بطلة دولية في ألعاب القوى خرجت من رحم الدفاع الحسني الجديدي، ومع مطلع كل صباح كانت تخصص للمتطوعات حصصا رياضية على رمال شاطئ طرفاية، وتستعد لتظاهرة شاءت الصدف أن تحتضنها الجزائر.
ساهم الكوكب المراكشي في اكتمال عقد المسيرة الخضراء، حين كتب الزجال محمد شهرمان، أحد عشاق الفريق الأحمر، رائعة «لعيون عينيا» التي سترافق المتطوعين ذهابا وإيابا. كتب هذا المراكشي لفرقة جيل جيلالة «لكلام المرصع» سنة 1972 و«العيون عينيا» سنة 1975، وحين لم تنصفه الأيام كتب «دارت بينا الدورة» وانتهى به المطاف زبونا للصيدليات حين تسلل إليه المرض وانطفأت أنوار حماسه.
كلما اقتربت ذكرى المسيرة الخضراء، يبحث عنه الصحافيون ليعيدوا على مسامعه السؤال نفسه: «كيف كتبت رائعة لعيون عينيا؟»، فيفيض صبيب دموع شهرمان ألما من أشخاص يعملون بوصية فيروز فيزورونه كل سنة مرة.
في العام الموالي، بحث عنه صحافيو المناسبات فلم يعثروا له على أثر، فقد مات في بداية شهر أبريل فاعتقد الناس أنها كذبة هذا الشهر.
إلى جانب «لعيون عينيا»، التي غزت المدرجات وأصبحت موشح جماهير الكرة في المباريات التي يلتقي فيها المنتخب المغربي بنظيره الجزائري، ظلت أغنية «نداء الحسن» أشبه بنشيد وطني تنتصب من أجله القامات وتتحول إلى ما يشبه الحضرة الصوفية.
كتب سطور هذه الملحمة الفنان الصوفي فتح الله لمغاري، وهو، بالمناسبة، كان لاعبا في صفوف شبان المغرب الفاسي، قبل أن ينتقل على سبيل الإعارة لملاعب الفن، ويصبح عميدا لفريق الفنانين الذي كان يؤثث المباريات الاستعراضية.
بعد استرجاع الصحراء، أعطى الحسن الثاني تعليماته لبناء ملعب الشيخ محمد لغضف بعد أن ظل شباب العيون يركضون في ملعب أم السعد المترب.
وحين آمن الملك بأن الصحراء يمكن أن تستغني عن الجمال ولا تستطيع الاستغناء عن الكرة، طلب من الكولونيل ماجور الحسين الزموري، بصفته رئيسا للجنة المؤقتة المشرفة على تدبير شؤون الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، نقل فريق القوات المساعدة من ابن سليمان إلى العيون، فأصبح سفيرا للنوايا الحسنة في حاضرة الصحراء.
حسن البصري