شوف تشوف

الرئيسيةسري للغايةسياسية

سياسة تجويع الأمنيين وهكذا أصبحت الجزائر دولة منكوبة

يونس جنوحي

عندما بدأ العسكريون الشرفاء في الانسحاب، مثل الليوتنان مسعود الذي فر بالمروحية إلى إسبانيا وطلب اللجوء السياسي، حتى لا يضطر إلى قصف مواقع مدنية وقتل الأبرياء، فإن تلك القشة التي سوف تقصم ظهر الجنرالات كانت قد بدأت في التشكل ببطء.

يقول هشام عبود إن الأمر كان يتعلق أيضا بالإغراء المادي، إذ إن بعض رجال الشرطة اعترفوا له بأن بعض المنخرطين في عمليات قتل المدنيين، كانوا يرغبون في الترقية والمكافآت، لذلك كانوا يقتلون الأبرياء بدم بارد على أساس أنهم يحاربون جذور الإرهاب. أحدهم أخبر هشام عبود أن مبلغ ثمانية آلاف دينار جزائري شهريا ليس أجرا كافيا لحياة كريمة في الجزائر، وأنه يفضل أن يحصل هو على أموال مكافحة الإرهاب على أن يحصل عليها أحد آخر.

 

المأساة
من المآسي المؤلمة التي أوردها هشام عبود في هذه المذكرات، ما وقع لرجل جزائري بسيط من الفلاحين الفقراء. إذ في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان لسنة 1994، كان مواطن جزائري بسيط ومُسالم مصطحبا معه ابنيه إلى الطبيب في منطقة «الشراربة». وفجأة لمح في الطريق موكبا عسكريا وتراجع إلى الخلف مفسحا الطريق. لكنه حوصر من طرف الجنود، وتعرض للضرب بأعقاب سلاح الكلاشينكوف. الليوتنان الشاب الذي استعمل سلاحه أثناء ضرب المواطن البسيط، وضع حدا لحياته وأطلق رصاصة على رأسه أياما بعد اعتدائه على الرجل.

مأساة محيرة فعلا، أن يقوم جندي برتبة «ليوتنان» بالانتحار ووضع حد لحياته أياما فقط بعد اعتدائه على مواطن مغلوب على أمره كان يصطحب ابنين مريضين إلى الطبيب.

هذه الواقعة تعكس كيف كانت نفسية الضباط هشة ومضطربة، وهو ما يؤكد ما ذهب إليه هشام عبود بشأن تعاطي العسكريين للمخدرات القوية أثناء قيامهم بالجرائم والمهام القذرة.

مسألة الضمير لدى العسكريين في الجزائر كانت دائما مطروحة في الصفوف الخلفية، أما على مستوى الجنرالات فقد كانت الثروة والامتيازات والسلطة المطلقة تُعمي أبصار كبار الجنرالات الذين يوزعون الأوامر على مختلف الأجهزة الأمنية لتنفيذ عمليات دموية باسم مكافحة الإرهاب.

 

أموال سوداء

يقول هشام عبود إن بعض الأمنيين كانوا يستولون على أموال المنتسبين للجماعات المتطرفة فور اعتقالهم أو شن هجوم عليهم. خصوصا خلال عمليات إطلاق النار على المُحتمين في المنازل، إذ يتم تمشيط البيوت ومصادرة الأموال، وهو ما يمكن أن نطلق عليه هنا «الغنائم». هذه الجزئية كانت محفزة لرجال الأمن والجيش أيضا، أثناء المداهمات، إذ إن مافيا الجنرالات كانوا يغضون الطرف عن هذه التفاصيل لأنهم كانوا يعلمون جيدا أن التحفيز المادي للجنود ورجال الشرطة والقوات الخاصة، مهم جدا. وهكذا كان العسكريون يسلبون محتويات المنازل والأموال المصادرة، ويقتسمونها بينهم.

هذا الأمر أدى إلى ظهور شريحة من الأغنياء الجدد بعد أن كانوا مجرد موظفين عاديين جدا، فأصبحوا يشترون العقار ويمتلكون سيارات فارهة، ويفكرون في قضاء العطل في الخارج. لكن، بالمقابل، كانوا دائما في حالة تأهب مخافة انتقام الجماعات الإسلامية التي شنت بدورها هجمات على مواقع عسكرية وأمنية، وهو ما أدخل البلاد في حالة حرب أهلية حقيقية.

يتعلق الأمر هنا بكارثة إنسانية في الجزائر خلال العُشرية السوداء. ورغم التعتيم الذي مورس على الرأي العام الجزائري في تلك الفترة، إلا أن المواطنين كانوا يُدركون أن البلاد كلها تقبع تحت رحمة الجنرالات، لكن تخليص الجزائر من بين يدي «المافيا» كان مستحيلا ما دام الجنرالات الكبار في السلطة يضعون الرؤساء والمنتخبين.

يقول هشام عبود إن بعض العناصر الأمنية كانوا يعيشون ضغطا كبيرا في ذلك الوقت ويضطرون أحيانا إلى العمل 24 ساعة متصلة وأحيانا أكثر، دون الاستفادة من أي راحة، أثناء الحرب ضد الجماعات المتطرفة، ولكي يضمن الجنرالات ولاء هؤلاء الأمنيين فإنهم كانوا يتعمدون وضع عراقيل أمامهم، أهمها مشكلة السكن الوظيفي، إذ إن رجال الأمن الذين اشتغلوا في مكافحة الإرهاب لم يكونوا يجدون سكنا يؤويهم مع أسرهم، ومع السباق على غنائم الجماعات المتطرفة والأموال المصادرة في الحرب على «الإرهاب»، بات بمقدرة عدد من الأمنيين تغيير حياتهم نحو الأفضل، ولو على حساب أمن الجزائريين وأرواحهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى