شوف تشوف

فسحة الصيف

سيارة مجنونة تدهس علي يعتة في عز الخلاف حول التناوب الحكومي

وفيات لفها الغموض

حسن البصري

قال مولاي إسماعيل العلوي، القيادي في حزب التقدم والاشتراكية، في أكثر من حوار صحفي، «إن وفاة علي يعتة ظلت لغزا»، وأضاف: «حامت علامات استفهام كثيرة حول موته، في غشت 1997، وأنا شخصيا لا أكاد أستسيغ كيف يموت السي علي في حادثة سير ويعتقل صاحب السيارة الذي كان في حالة سكر، على ما يبدو، ثم يصدر في حقه حكم مخفف، لا اعتراض لي عليه إذا كان القانون يقضي بذلك، هذا اقتناعي الشخصي، لكنه يبقى اقتناعا ذاتيا».
ما زاد الأمور غموضا أن يموت الزعيم اليساري في ظرفية سياسية دقيقة كان فيها المغرب يعيش أعراض «السكتة القلبية»..
ظل «سي علي» موضوع جدل حيا وميتا، خاصة وأن لغز موته علق بأذهان رفاقه وخصومه على السواء. وحسب الرواية الرسمية فإن الزعيم الشيوعي كان على موعد مع الموت بطريقة تراجيدية قرب مقر جريدة الحزب التي كان يعتبرها منبرا لإيصال رسالة الحزب النضالية، فقد اختطفه الموت بعد أن كان ضحية حادثة سير مؤلمة أمام مقر «البيان» يوم 13 غشت سنة 1997.
تقدم الرواية التي نشرها لسان حال الحزب أن علي يعتة «ترجل من سيارته، متوجها إلى مقر الجريدة في الجهة المقابلة من الشارع، لكن سيارة قادمة من الاتجاه المعاكس باغتته وصدمته بقوة بسبب سرعتها المفرطة لترديه قتيلا».
ولأن الحادثة تزامنت مع الاستحقاقات الانتخابية، فقد خلق موت الزعيم الشيوعي صدمة كبيرة في وسط المشهد السياسي المغربي، بل هناك من أثار شكوكا حول وفاته، على اعتبار أن السيارة التي دهست الراحل، الذي لم يكن قد وضع رجليه بعد في الشارع حيث يركن سيارته، امتدت إليه وهو على الرصيف المقابل لمقر جريدة الحزب، علما أن الحادثة تمت في ظرفية صعبة، واجه فيها علي تيارا أطلق عليه اسم «الحركة الانشقاقية» وقاده بعض أعضاء الديوان السياسي في حزب التقدم والاشتراكية.
تزامنت الوفاة التراجيدية لعلي يعتة مع الاستعداد الذي عرفه المغرب لحكومة التناوب في أول تجربة بالمغرب، تزامن جعل الكثير من الأسئلة، تماما كما وقع مع غيره من السياسيين، تطرح في العديد من المواقع، بين واصف للموت بالقضاء والقدر، وبين لاجئ لنظرية المؤامرة، كما ذهب إلى ذلك مجموعة من المحللين السياسيين.
شيع جثمان علي في مقبرة الشهداء بالدار البيضاء غير بعيد عن قبر ابنه، كما دفنت ليلى ابنته في نفس المكان، وظلت الأسرة تخلد ذكرى الرحيل بكثير من التأثر، في تأبين يحضره اليهود والمسلمون والمسيحيون، سيما وأن الفقيد ظل مقربا من الطائفة اليهودية مناصرا لها، ورفيقا لرئيسها شمعون ليفي.
رزق علي وزوجته روزاليا بأربعة أبناء، (التوأمان ندير وفهد، وبنتان ليلى وسامية). منهم من ولد بباريس في وقت كان والدهم يعيش في المنفى، وجلهم تابعوا دراستهم الجامعية في روسيا لدراسة الطب أو الصحافة. لكن الأسرة عاشت فواجع أخرى في وفاة أفراد هذه الأسرة، إذ مات ندير سنة 1996 بداء السرطان الرئوي، وكان يعمل صحافيا. وقبل أن تنسحب النكبة من بيت الأسرة، توفي علي بعد عام على فقدان ابنه ندير. ولأن المصائب لا تأتي فرادى فقد اختطف الموت، على حين غرة، الدكتورة ليلى يعتة، ابنة علي يعتة، وهي تؤدي واجبها المهني في إحدى المصحات التي تشتغل بها مولدة. فارقت الدكتورة ليلى يعتة الحياة إثر أزمة قلبية باغتتها مباشرة بعد عملية توليد لإحدى السيدات بالمصحة التي تعمل بها.
ولد علي يعتة في شهر غشت 1920، ومات في شهر غشت 1997، خرج الرجل إلى الوجود في عز الصيف ومات في عز الصيف، مع اختلاف في مكان النشأة والرحيل. فقد ولد في مدينة طنجة التي كانت تعيش تحت الوصاية الدولية، من أب ينحدر من منطقة القبائل الجزائرية، قبل أن يغادر الجزائر تحت وطأة الحكم الاستعماري الفرنسي، ليستقر منذ عام 1911 في مدينة طنجة، إلى غير رجعة، تزوج «السي سعيد» خلال تواجده في طنجة من فتاة ريفية تدعى فاطمة بن عمار، وقرر الاستقرار في شمال المغرب، بعد أن أصبح إطارا في شركة التبغ. وحين كبر علي انتقل رفقة والديه إلى الدار البيضاء ليبدأ حياة النضال لاسيما بعد استقراره في عمق المدينة القديمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى