تتمدد العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، سنويا، بنمو مدن صغيرة في ضواحيها. نماذج عمرانية جديدة تشكل جزرا معزولة من الإسمنت، لم تعد تغري الراغبين في امتلاك عقار بالعاصمة الاقتصادية كما كان عليه الحال قبل سنوات، وهو ما أوضحته مؤشرات دولية أكدت اصطدام المبيعات في قطاع العقار بركود تجاري استثنائي.
الجزر العمرانية التي عاينها موقع “الأخبار” بكل من مديونة والرحمة ودار بوعزة وكذا ببوسكورة والهروايين، جلها تعاني من إشكاليات النقل وغياب المرافق الضرورية، ما أدى إلى تراجع كبير في أثمنة الوحدات السكنية وفشل حيل التسويق في حل الأزمة. مزيدا من التفاصيل في الربورتاج التالي.
من بين أكثر التجمعات السكنية بأطراف الدار البيضاء، مدينة الرحمة. المنطقة زادت جاذبيتها مع دخول الأمن الوطني إلى أحيائها، حتى عرفت أثمنة الوحدات السكنية ارتفاعا كبيرا مع توالي السنوات، إلى حدود سنة 2018.
المدينة تبعد عن حي الألفة بحوالي 5 كيلومترات ويحدها مع منطقة دار بوعزة الساحلية شارع مولاي التهامي. في جنبات “المدينة” نمت أحياء سكنية، تظهر على شكل جزر عمرانية تفصل بينها أراض فلاحية أو مساحات عمرانية مهجورة. داخل أحيائها أقام باعة أسواقا غير منظمة ونساء يعرضن رغيفا أو ملابس بالية للبيع على المارة.
الوصول إلى المدينة الجديدة يقتضي قطع 10 كيلومترات عبر الطريق الساحلية، أو سلك مسار ينطلق من حي الألفة، مرورا بشارع مولاي التهامي. هناك تصادف الزائر وحدات سكنية تنتظر الإعمار بعدما خنقها الكساد إثر الفشل في تسويقها، بسبب قربها من مقبرة الرحمة.
تفادي اقتناء عقار بالمنطقة يعزى بالأساس حسب شريحة واسعة من المقبلين على امتلاك سكن، إلى الأرضية الرملية بعدد من الأحياء وضعف الإنارة وكذا تسجيل حوادث سرقة في مناطق متفرقة داخل هذا الامتداد، بالإضافة إلى ضعف تغطية شبكة المواصلات. وحسب ما وقف عنده الموقع، فساكنة المدينة الجديدة، تشتكي من العزلة وغياب الفضاءات الخضراء ونظيرتها الترفيهية المخصصة للأطفال والشباب.
سيارة فاخرة لمن يقتني شقة
جماعة عين حرودة أو اختصارا منطقة “17”، أكبر تجمع سكني بين الشريط الساحلي الرابط بين المحمدية والبيضاء.. الجماعة تتوسط أحياء صناعية بين عين السبع والمحمدية، وهو ما جعلها تسجل ارتفاعا ديموغرافيا كبيرا خلال العقد الأخير، بسبب إقبال اليد العاملة بالمصانع على البحث عن مأوى بين أحياء المنطقة.
المدينة الجديدة التي تشمل جزرا عمرانية، استقطبت مئات الآلاف من السكان على امتداد السنوات الماضية. أحياء المدينة تسجل مستويات قياسية في احتلال الملك العام، والسلطات المحلية فشلت في تحريره والقضاء على الظاهرة رغم المجهودات المتواصلة.
شركات عقارية مازالت لوحاتها الإشهارية منتصبة بالمنطقة تنتظر إقبال الزبناء، ومنها من عرضت الفوز بسيارة من النوع الجيد، كهدية للمقبلين على اقتناء عقار بمجموعتها السكنية، ورغم هذه الإغراءات فالراغبين في امتلاك عقار بالمنطقة، دفعتهم إشكاليات النقل واحتلال الملك العام والعشوائية إلى التراجع عن ذلك.
الساكنة بالجماعة، تشتكي غياب سوق نموذجي، كما أن العشوائية بالمنطقة تشمل انتشار “الفراشة” والباعة المتجولين وغياب التشوير الطرقي إلى جانب انتشار دور الصفيح من عين السبع وصولا إلى منطقة زناتة، كما يعاني سكان هذه الأحياء الصفيحية من انتشار النفايات والحشرات المتسببة في الأمراض. ساكنة الجماعة، تعاني أيضا من غياب المؤسسات التعليمية، بحيث تُعرض قنطرة طرقية مؤدية إلى الثانوية الوحيدة بالجماعة التلاميذ والآباء لمخاطر كثيرة.
حي صناعي ومستوى بطالة مرتفع
المدينة الجديدة ببوسكورة من أكثر مناطق البيضاء توفرا على الشركات الصناعية، إلا أن نصيب شبابها في التشغيل يبقى ضعيفا، بحيث يشتكي السكان من البطالة وانتشار النقل السري، وغياب التهيئة وضعف الإنارة.
داخل المدينة الجديدة لبوسكورة، أقام العديد من المنعشين العقاريين وحدات سكنية، لم تعد تغري الراغبين في امتلاك عقار خلال السنوات الأخيرة، بسبب ضعف الاهتمام بالمجال الصحي والتعليمي وكذا التنظيمي، الأمر الذي جعل عددا من البنايات داخلها تظهر على شكل جزر عمرانية، تفصل بينها مناطق مهجورة.
بعض المباني، تعود فترة تشييدها إلى عهد الحماية الفرنسية، ومنها مصنع مهجور للأسلحة، يجاور إحدى الجزر العمرانية، على مقربة من محطة القطار بوسكورة.. مجموعة من الأسوار الخاصة بالمدارس والثانويات تبدو آيلة للسقوط بشكل يؤرق بال التلاميذ والآباء.
داخل هذه المنطقة العمرانية، تسجل مستويات عالية في مجال النقل السري، فالدراجات ثلاثية العجلات تشكل مصدر قوت للعديد من شباب المنطقة بالنظر إلى ضعف تغطية الحافلات وسيارات الأجرة، وهو سبب كان مقنعا بالنسبة لعدد من الراغبين في امتلاك عقار هناك بالتراجع عن الفكرة.
من الصعوبات التي يجدها سكان أحياء بوسكورة ما يرتبط بقلة المساحات الترفيهية المخصصة للشباب والأطفال باستثناء الغابة، والتي تبقى المتنفس الوحيد للسكان.
أسعار الوحدات السكنية ببوسكورة عرفت تراجعا خلال السنوات الأخيرة، فبعض الوحدات المخصصة للسكن الاقتصادي لم تعد تتجاوز 20 مليون سنتيم أمام إقبال منخفض للراغبين في اقتناء عقارات.
الـ”واد الحار” والرطوبة وإشكاليات التنقل
على طول الشريط الساحلي بين شواطئ عين الذئاب وواد مرزك وطماريس، تنتصب بنايات على امتداد أزيد من 30 كيلومترا عبر الطريق الساحلية المؤدية إلى مدينة أزمور.. الجزر العمرانية التي شيدت حديثا بالمنطقة تعاني من ارتفاع في مستويات الرطوبة بالنظر إلى واجهاتها البحرية، فضلا عن صعوبات التنقل من وإلى وسط المدينة.
المنطقة عرفت خلال السنوات الأخيرة، نموا ديمغرافيا متزايدا، ورغم استغلال الوحدات السكنية بهذه الجزر العمرانية من طرف مالكيها، صيفا على وجه الخصوص إلا أن الشركات العقارية التي تنصب، إلى حدود كتابة هذه الأسطر، ألواحا وأعمدة إشهارية على طول الطريق الساحلية، تضررت من تباطؤ وتيرة تسويق الوحدات السكنية.
دار بوعزة كحال غيرها من المناطق التي تؤوي جزرا عمرانية، تسجل عجزا كبيرا في المواصلات بسبب فشل ربطها بشبكة النقل إلى وسط البيضاء، الأمر الذي يجعل النقل السري عبر الدراجات ثلاثية العجلات أو الشاحنات، من بين أبرز وسائل التنقل بالمنطقة.
ومن أبرز التحديات التي تعرفها المنطقة انتشار الأراضي الفلاحية والمساحات الزراعية، وهو ما يجبر السكان الجدد على التعايش مع الوضع أما الفضاءات الترفيهية فتنعدم في المنطقة باستثناء حديقة ألعاب وحيدة تفتح أبوابها في وجه الأطفال والآباء خلال أشهر الصيف.
ومن بين التحديات التي تدفع الراغبين في امتلاك سكن بالمنطقة إلى التراجع، وجود شاطئ واد مرزك، الذي صنفته تقارير حديثة ضمن الشواطئ الأكثر تلوثا بالمغرب، بسبب وجود مصب للواد الحار يفرغ سموما وموادا كيماوية تفرزها المصانع والمعامل، تتدفق من منطقة الخيايطة والحي الصناعي ببرشيد، إلى الشاطئ عبر قنوات الصرف الصحي.
خلال الحديث مع سكان المنطقة أكدوا وجود عدد من التحديات والصعوبات التي تلازم عيشهم بدار بوعزة، من بينها مصب الواد الحار الذي يلوث الماء والهواء، وبعد مراسلاتهم المتكررة التي لم تجد آذانا صاغية استسلموا لمرارة الوضع.
عبد القادر بودراع، رئيس جمعية واد مرزك لحماية البيئة، أفاد في تصريح بأن التلوث الذي تعرفه الجماعة، يعود لسنوات بسبب السموم القادمة من الحي الصناعي بمدينة برشيد، مرورا عبر مناطق حد السوالم وأولاد عزوز، مشيرا إلى أن السلطات المحلية منعت السباحة منذ الموسم الماضي في مياه شاطئ واد مرزك تجنبا لإصابة المصطافين بالأمراض.
“براريك” تفسد مشاريع عقارية
الطريق من مركز مدينة الدار البيضاء إلى منطقة الهراويين تمتد عبر حي سيدي عثمان وسوق الجملة، مرورا بشارع 10 مارس، الذي يخترق شوارع رئيسية ضمن تراب عمالة مقاطعات مولاي رشيد. على يمين الشارع اصطفت بعض “البراريك” التي تبعد بأمتار قليلة عن حي المسيرة الشهير بالمنطقة، وتقابلها وحدات سكنية عبارة عن شقق ما زالت تنتظر دورها في التسويق أمام غول “الركود”.
منطقة الهراويين، التي يتجاوز عدد سكانها أزيد من 50 ألف نسمة، ما زالت تفتقر إلى الحد الأدنى من المرافق والتجهيزات الأساسية من طرق وكهرباء وماء صالح للشرب بالإضافة إلى افتقارها لشبكة طرقية ووسائل النقل الحضري التي يمكنها أن تربط الحي بمختلف أحياء البيضاء.
الولوج إلى حي المسيرة بالهراويين الذي تبقى أرضيته الرملية من بين الإشكاليات التي ما زالت تطرح العديد من علامات الاستفهام، بعمالة مقاطعات مولاي رشيد، يتطلب المرور عبر مجموعة من الواجهات التي تتواصل بها أشغال البناء العشوائي، ليبقى مشروع تنمية وتأهيل المنطقة حبرا على ورق أمام تنامي حدة العشوائية.
حي المسيرة بمنطقة الهراويين يبقى من أهم الأحياء التي تتحول موسميا خلال عيد الأضحى إلى واجهات تستقبل قطيع الأغنام والمواشي. يتم تخصيص مجموعة من المحلات التجارية من أجل ذلك. شاحنات من مختلف الأحجام تفي بالغرض بعد إغلاق الأزقة والممرات المؤدية إلى داخل الحي، وما يثير استياء الزوار الراغبين في اقتناء عقارات، تواجد بنايات سكنية تنتظر تسويقها بالمنطقة.
حلول المساء يعني بالنسبة للعديد من سكان الهراويين “حظر التجوال” بالمنطقة، في ظل غياب الإنارة العمومية وغياب الأمن، وهو ما استدعى من السكان مراسلة المصالح المعنية من أجل التصدي للاعتداءات وبدل مجهودات من أجل تجاوز حالة الفوضى التي تعيشها مختلف الأحياء بالمنطقة.
منطقة الهراويين تتوسطها، أيضا مجموعة من البنايات التي لم تكتمل بعد من عمليات البناء، وظلت منذ السنوات الماضية، على حالها إلى إشعار لاحق، بقايا الإسمنت و”الآجور” تظهر على العديد من الواجهات بأحياء متعددة داخل الهراويين.
المنطقة تشهد تسارعا كبيرا من حيث انتشار البناء العشوائي، بشكل سمح خلال الأشهر القليلة الماضية لسماسرة ولوبيات البناء بالنشاط، بشكل كبير في المنطقة وتحقيق أرباح مالية مهمة، الأمر الذي أفسد العديد من مشاريع السكن الاقتصادي والمتوسط بالمنطقة.
جزر عمرانية قبالة مطرح النفايات
أهم الأسباب التي تدفع الراغبين في امتلاك عقار بمنطقة مديونة إلى التراجع عن ذلك، تواجُد مطرح نفايات، تستقبل روائحه النتنة سكان المنطقة في تنقلاتهم من وإلى أحياء الإقليم.. المتر المربع بمديونة شهد خلال العقد الأخير ارتفاعا طفيفا، إلا أنه يبقى الأدنى على مستوى العاصمة الاقتصادية أمام الإشكاليات المتعددة التي توحد الجزر العمرانية بالبيضاء، أبرزها ضعف المواصلات وانتشار الأراضي الفلاحية بجوار المباني وغياب المرافق الضرورية والمساحات الخضراء.
جزيرة عمرانية جديدة، اختار مجلس المدينة عبر شركة التنمية المحلية «إدماج سكن»، إقامتها قبالة مطرح النفايات مديونة، من أجل إعادة إيواء ساكنة دور الصفيح بالعاصمة الاقتصادية. الساكنة استاءت من القرار واعتبرته مجانبا للمنطق بالنظر إلى تلوث التربة والهواء خلال عقود من استغلال المطرح.
رحلة الوصول إلى أحياء مديونة من وسط البيضاء، تستغرق 40 دقيقة بواسطة الحافلة أو سيارات الأجرة، ورغم بعد المسافة بين النقطتين إلا أن ما يؤرق بال الساكنة تلخصه إشكالية ضعف تغطية شبكة المواصلات من وسط المدينة وصولا إلى الإقليم.
ما يثير استغراب زوار الإقليم، هو لجوء عدد من المنعشين العقاريين، إلى تسويق وحدات سكنية تجاور مطرح النفايات بالمنطقة، وعلى الرغم من الانخفاض الذي عرفته الأثمنة خلال السنوات الأخيرة إلا أن الكساد يتسيد عملياتهم التجارية.
حيل تسويقية لتدارك الكساد
من بين الشركات العقارية بالعاصمة الاقتصادية من اختارت تشييد منزل بطابقين، عبارة عن سكن اقتصادي موجه للطبقتين المتوسطة والفقيرة، يشتمل كل طابق على مساحة 30 مترا مربعا، بمنطقة دار بوعزة.
شركات عقارية أخرى وعدت بتسليم الزبناء الشقق في غضون سنة أو أقل، إلا أن عمليات البناء لم تكتمل بعد.. الشركة العقارية زادت من وعودها لصالح الزبناء الجدد بتسليمهم أثاث للمنزل في حال اقتناء شقة ضمن مجموعاتها السكنية.
عدد من الشركات العقارية لم يتبق لديها من حيل تسويقية، سوى إزعاج المواطنين عبر أرقامهم الهاتفية، من أجل إقناعهم باقتناء عقار، أمام تراجع العديد منهم عن الشراء بسبب طول مدة الانتظار قبل التسليم.
مؤشر دولي يؤكد ركود تجاري في قطاع العقار
ذكرت شركة “نايت فرانك” الدولية، أن مؤشرها السنوي سجل تراجعا ملموسا في أسعار الوحدات السكنية بالمغرب، خلال الأشهر الماضية باحتلاله المرتبة 53 من أصل 56 دولة شملها التقرير.
وأفاد التقرير بوجود انخفاض في قيمة الأسعار الخاصة بالعقارات السكنية بالمغرب، بحيث سجل الربع الثاني من السنة الجارية تراجعا بحوالي 0.3 في المائة، و0.8 في المائة على أساس سنوي.
وفي الوقت الذي تصدرت فيه مجموعة من الدول ترتيب المؤشر الدولي في مقدمتها الصين، دخل المغرب نادي “الكساد العقاري” إلى جانب كل من إيطاليا وفنلندا وأستراليا، بحيث أفاد التقرير باستقرار الأسعار ونسب الفوائد وكذا الضرائب.
وتصدرت الصين ترتيب المؤشر بأقوى الارتفاعات في قيمة العقارات السكنية، بنسبة 2 في المائة خلال الربع الثاني من السنة الجارية، تليها كل من مالطا والتشيك ولوكسمبورغ والمكسيك وهنغاريا وتشيلي.
وباستثناء المغرب، فمؤشر نايت فرانك لا يشمل دول شمال إفريقيا والدول العربية، ويعتمد التقرير على أرقام صادرة عن المؤسسات الرسمية من ضمنها البنوك المركزية وهيئات التسجيل العقاري وكذا بنك المغرب.
من جهة أخرى، ذكرت المندوبية السامية للتخطيط، أن المنعشين العقاريين وأرباب المقاولات في قطاع البناء، أكدوا وجود ركود في تسويق الوحدات السكنية بلغت نسبته 28 في المائة خلال نهاية السنة الماضية.
وأفادت رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين، في ندوة صحافية، في وقت سابق، من السنة الجارية، وجود أزيد من مليون عقار غير مباع، توجد غالبية الوحدات السكنية وهي غير مأهولة بالمدن، إلى جانب تراجع بنسبة 50 في المائة منذ سنة 2011، في المبيعات العقارية.