يونس جنوحي
أكثر طُرفة انتشارا في كندا هذه الأيام، نصيحة ثمينة يوجهونها لبعضهم البعض. يقولون إنك إذا واجهت مشكلا صحيا في كندا، أزمة قلبية أو ما شابه، لا تتصل أبدا بسيارة إسعاف، بل اتصل بسيارة أجرة.
والسبب أن أعداد الوافدين الجدد على كندا، الحاملين لشهادات في التمريض والطب، لم يحصلوا بعد على شهادة «المُلاءمة». ولكي يسددوا فواتيرهم اتجهوا للعمل سائقين في سيارات الأجرة وتطبيقات التنقل داخل المدن.
سبب هذه «الطفرة» في كندا، فراغ في القوانين، لأن حاملي شهادات التمريض والمهن الطبية من بعض الدول التي لا تعترف كندا بمنظومتها الصحية وتكوينها للأطر الطبية، عندما يلجون إلى كندا يصبحون أمام مشكل مطابقة شهاداتهم. وفي انتظار المباريات التي يفترض أن تمنحهم حق مزاولة مهنتهم في مستشفيات كندا ومصحاتها، يلجؤون إلى قيادة سيارات الأجرة، وهو ما أثار انتباه المواطنين الكنديين مؤخرا.
في المغرب، لدينا آلاف الخريجين الراغبين في الهجرة، إلى أي مكان وليس فقط إلى كندا. أطباء وممرضون وعاملون في مختلف تخصصات قطاع الصحة، بما في ذلك الموارد البشرية للوزارة وللمصحات والمهن التقنية التي تتعلق بتدبير التقنيات الطبية، مُستعدون للهجرة عند أول فرصة.
لكن المشكل أن التكوين في المغرب باللغة الفرنسية، وهو ما يُضيق آفاق البحث عن فرص خارج المغرب وفرنسا ومستعمراتها السابقة.
هناك طبعا شبان من الجيل الجديد انفتحوا على التكوين باللغة الإنجليزية، ويتحدثونها بطلاقة ويطالعون بها جديد البحث العلمي في قطاع الصحة، وهناك أيضا ممرضون وممرضات لديهم المؤهلات المطلوبة للعمل في أي مكان في العالم، لكن المشكل يبقى هو مطابقة شهاداتهم.
أغلب المنظومات الصحية حول العالم لا تقدم حلولا من هذا النوع لاستقبال الحاصلين على شهادات في الطب والتمريض، وتكتفي باستقبال حاملي الشهادات المعترف بها.
الطب في كندا من بين المهن التي تدر ملايين الدولارات سنويا، في ظل ارتفاع أسعار العلاج، إلى درجة أن الحاصلين على الجنسية الكندية، القادمين إليها من دول أخرى، يفضلون الحصول على العطل السنوية والعودة إلى بلدانهم الأصلية للحصول على العلاج بتكلفة منخفضة. تماما مثل ما يقع في الولايات المتحدة عندما يكتشف مواطنوها أن التأمين الذي أنفقوا سنوات من حياتهم وهم يدفعون واجب الاشتراك، لا يغطي تكاليف علاجهم من الأمراض المزمنة أو العمليات الجراحية المعقدة، وأحيانا حتى فاتورة طبيب الأسنان.
عندما ضرب وباء «كورونا» كل دول العالم، ظهر بالواضح أن شعار الدول المتقدمة قد ضُرب عرض الحائط، خصوصا في دول مثل إسبانيا وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا، ولم يجد المسنون أسرّة لاستقبالهم، وتُركوا لمصيرهم رغم أنهم حاربوا من أجل بلادهم عندما كانوا شبابا خلال الحرب العالمية الثانية، وأمضوا أزيد من ستين سنة وهم يؤدون الواجبات الشهرية والضرائب بانتظام للدولة لكي يستفيدوا من الخدمات الطبية. وعند أول امتحان من الطبيعة، تخلت عنهم بلادهم وتُركوا للموت دون أن يجدوا آلة أوكسجين واحدة لإبقائهم على قيد الحياة.
«كورونا» تشبه الموت. بدأت كبيرة ثم تلاشت شيئا فشيئا، إلى أن أصبحت مثل الزكام. تساقط ملايين الضحايا حول العالم في غضون أسابيع فقط، ثم ما لبث المرض أن أصبح نوبة زكام يُنصح المصاب بها بالتزام بيته إلى أن يُشفى تماما. ولا أحد إلى اليوم فهم بالتحديد ماذا وقع وكيف تحول المرض من وباء قاتل إلى «إنفلونزا» موسمية.
الممرضون والممرضات المغاربة ليسوا فقط أطرا في قطاع الصحة، بل هم أطباء نفسيون، وأحيانا يصبحون مفوضين قضائيين وحتى من قوات التدخل السريع. هم أول من يستقبل الداخلين إلى المستشفيات العمومية والمصحات الخاصة، وآخر من يتلقى كلمة شكر عندما «تنجح» العملية. لذلك يفضل أغلبهم قيادة سيارة كهربائية في كندا وتلقي طلبات التوصيل عبر الهاتف، على أن يزاولوا مهنة «الملائكة». ومن يدري، ربما قد تدخل مستقبلا خدمات الإسعافات وقياس الضغط وأخذ عينات من الدم، باقة خدمات سيارات الأجرة في كندا، وتُشخص الأمراض قبل أن يصل الراكب إلى وجهته. هناك دائما وجه من وجوه السخرية السوداء وراء كل المهن، حتى لو زاولتها في أكثر دول العالم رفاهية.