سونو أوساتو المالح.. اليابانية التي آمنت باليهودي المغربي الذي سيطر على تجارة «السيكَار» بالمغرب
عندما توفي الملياردير الأمريكي، من أصول مغربية، فيكتور المالح، عن سن يناهز 95 سنة، اتجهت الأنظار كليا نحو زوجته اليابانية الأصل «سونو أوساتو»، وريثة سر واحد من اليهود المغاربة الأكثر تأثيرا في الاقتصاد الأمريكي.
هي خلطة ظلت سرية، مزجها «فيكتور» و«سونو» طيلة عقود من حياتهما معا بالولايات المتحدة الأمريكية، عندما خالطا نخبة المجتمع الأمريكي ومشاهير المال والأعمال والسياسة وحتى السينما.. وسكنا معا في أرقى الأحياء الأمريكية رغم أنهما انطلقا معا من وسطين متواضعين جدا.
ولد فيكتور المالح في مدينة الصويرة سنة 1918، ورحل مبكرا إلى الولايات المتحدة الأمريكية مع عائلة أمه، ليستقبله جده هناك سنة 1925 ويمضي طفولة صعبة، ومراهقة أصعب، لكن الدراسة وحدها، رغم المطبات الكثيرة التي عرفها، ستنقذه ليقتحم عالم الهندسة والتصاميم. في 1941 سيلتقي «سونو أوساتو» وستتغير حياته رأسا على عقب..
«سونو» الشابة شديدة البياض، لا تخطئ العين ملامحها اليابانية، لكنها تحمل من حياة الغرب الشيء الكثير.
في السنة نفسها دائما، لم يتقبل والد فيكتور المالح، وهو اليهودي المتدين الذي جاء من المغرب إلى أمريكا في مناسبات كثيرة لزيارة والاطمئنان على أسرته التي غادرت المغرب بدونه، أن يتزوج ابنه، المهندس الواعد الذي لقبته جريدة «نيويورك تايمز» بـ«دافنتشي القرن العشرين»، فيكتور المالح بشابة يابانية تشتغل في فرقة فتيات للرقص والاستعراض.. حتى أنه هدد بالانتحار إن تزوج فيكتور بـ«سونو».
لم يجد الوالد بُدا من القبول بالأمر الواقع، لأن سونو كانت في طريقها مع فيكتور إلى مدينة شيكاغو، حيث أجريا الترتيبات الإدارية لعقد قرانهما، وهي المدينة نفسها التي سُجن فيها والدها الياباني بناء على أوامر من الحكومة الفيدرالية.
بدأ الزوجان حياة واعدة في أمريكا سنة 1943، وسرعان ما تألقت سونو أكثر من زوجها فيكتور الذي كان يتلمس طريق النجاح في مجال الهندسة، إلا أنها ذكرت في مذكراتها أنها كانت تجني أكثر منه بعملها الفني، وهو ما جعلها تقدم الكثير لذلك الزواج.
ذكرت في مذكراتها التي كتبتها سنة 1980، أنه رغم أن فيكتور جاء من أوساط يهودية مغربية محافظة جدا، فإنه كان متفهما للغاية ودعمها للاستمرار في اختيارها الفني.
وحسب ما ذكرته «سونو» في مذكراتها التي كتبتها بالإنجليزية بعنوان «الرقصات البعيدة»، من كونها أمضت أغلب حياتها في أمريكا، فإنها كانت مضطرة إلى التوقف وإنهاء مسارها الفني بعد سنوات قليلة من الزواج، عندما تُوج زواجها من فيكتور بالإنجاب. تعذر عليها أن تمضي في مسارها الفني لما فرضه عليها ظهور الأبناء في الصورة العائلية، من ضرورة تخصيص المزيد من الوقت للاعتناء بهم ورعايتهم والتفرغ تماما للتحديات الأسرية الجديدة.
كان على الملياردير، الذي لم يكن قد أصبح وقتها غنيا، أن يفكر في مزاولة مهنة أخرى بمجرد توقف زوجته «سونو» عن العمل رفقة فرقتها الاستعراضية، لأن دخله كمهندس شاب في بداية مساره، لم يكن كافيا لإعالة الأسرة والحفاظ على مستوى العيش نفسه الذي كان عليه الزوجان قبل الإنجاب.. وهكذا كان على فيكتور المالح أن يؤجل عالم الهندسة ويتفرغ لمساعدة العائلة في مشاريع الاستيراد والتصدير التي كانت مكاتبها مقامة في نيويورك والمغرب.
تعايش والد فيكتور مع فكرة زواج ابنه من يابانية بعيدة كل البعد عن الأوساط اليهودية المغربية التي ينتمي إليها، رغم أنه هدد سابقا بالانتحار.. إلا أنه رحب بفكرة عودة الابن فيكتور إلى كنف العمل العائلي في التجارة التي كانت مزدهرة جدا حتى عندما كان فيكتور منهمكا في تحقيق حلمه كمهندس، وستزداد المشاريع العائلية تألقا بانضمام فيكتور إلى الأسرة من جديد.
انتقلت «سونو أوساتو» مع فيكتور إلى المغرب خلال الستينات، وتعرفت على سيدات المجتمع الأكثر تأثيرا في أمريكا والمغرب، لكنها سرعان ما عادت مع فيكتور إلى معانقة الحلم الأمريكي الذي بدآه معا، ليمول طموحه في مجال الهندسة، خصوصا أن مشاريع استيراد الماركة الألمانية «فولسفاكَن» إلى المغرب وأمريكا أيضا، حيث كان برفقة أمريكي آخر، أول من أدخل الماركة الألمانية إلى أمريكا، بالإضافة إلى استيراد التمر المغربي وتصدير السيكَار والملابس والتجهيزات، عادت عليه بأرباح كثيرة، وهو ما جعله يصبح واحدا من أغنى رجال الأعمال في أمريكا والعالم.
عندما توفي المالح في نونبر 2014، ظهرت «سونو» حزينة في الصور، محاطة بأسرتها وهي تستقبل تعازي المشاهير في وفاة الزوج الذي بدأت معه الحياة من الصفر ذات أربعينات واعدة، لتعيش خصوصيات المغرب وأمريكا واليابان، بقلب واحد.