شوف تشوف

الرأي

سوق النخاسة الشتوي

تمنح قوانين الكرة في هذا البلد للمسيرين فرصة استداركية للاغتناء، حين تفتح في نهاية كل سنة وعلى مدى شهر تقريبا، أسواقها السرية والعلنية في وجه الراغبين في اقتناء أقدام قادرة على هز الشباك أو الدفاع عنها، بأثمان يتحكم فيها منطق العرض والطلب.
رؤساء الفرق مدينون لجامعة الكرة وللفيفا بهذه المبادرة السنوية، التي تسمى «المريكاتو» الشتوي، الذي يفتتح قبل نهاية العام حتى ولو تأخر المطر، ووكلاء اللاعبين يشكرون قوانين الكرة التي تمنحهم فرص البيع والشراء في اللاعبين دون أداء رسوم ضريبية، يكفي حصول شرط الغفلة بين البائع والمشتري لتتم الصفقة ويعلن عن نهايتها دون الحاجة إلى كشف أرقامها الحقيقية التي تصبح سرا من أسرار العلاقة التعاقدية، تماشيا مع سياسة الحكومة التي استبدلت الشفافية بقرار «استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان».
يبيع سماسرة الكرة اللاعبين وأشباه اللاعبين، ويحللون النطيحة وما عافت الفرق الأوربية والخليجية، وهم يسابقون الزمن كي لا يغلق السوق أبوابه في منتصف شهر يناير الجاري ويصبحون على بطئهم نادمين.
التقيت كاتبا لبنانيا في مناظرة عربية، وحين علم باهتماماتي الرياضية، سألني عن سر فشل تعاقد الرجاء البيضاوي مع اللاعب الدولي اللبناني نادر مطر، ولأنني لم أكن ملما بتفاصيل الموضوع فقد اخترت الهروب وقلت إنه سقط في الاختبار. كنت أود أن أعترف له بأن اللبناني في مفكرة المغاربة لا يمكن أن يكون سوى مطرب أو صاحب محل لحلاقة النساء، أو مسؤول عن مطعم للوجبات الشرقية ولاستنشاق دخان «الشيشة».
لم يسعف الاسم «الشتوي» (مطر) لهذا اللاعب ليوقع عقدا في «الميركاتو»، لكن كثيرا من اللاعبين الأفارقة نجحوا في الاختبار، لمجرد انتمائهم لحضارات كروية من قبيل غانا ونيجيريا والكاميرون، وكثير منهم اضطروا إلى تغيير جوازات سفرهم وانتحال صفات غير صفاتهم الحقيقية حتى يتماشوا والطلب.
تمنيت لو تسري بعض قوانين الكرة على الشأن السياسي للبلاد، فيعلن عن فتح «الميركاتو» الشتوي السياسي، ليكون فرصة لرئيس الحكومة كي يجري تعديلا على تشكيلته، وينهي الجدل القائم حول عنصرين تعالت أصوات الشعب مطالبة المدرب بتغييرهما، ويتعلق الأمر بأفيلال والحيطي، لكن يبدو أن الطاقم التقني لا يهتم بالصفير القادم من المدرجات، ولا يفضل تغيير اسم باسم آخر، إلا بالاستقالة أو الوفاة.
لحسن الحظ أن قوانين الكرة تحصر التغيير في لاعبين وحارس مرمى، لكن هذا الفصل تنتهي صلاحيته مع صافرة حكم المباراة، ولا يصلح تنفيذه خارج رقعة الملعب، لهذا يجد القائمون على الكرة في هذا البلد مساحة زمنية كبرى للتمرد على القوانين، فهم كدرس الأسماء والأفعال، كل اسم له فعل قاده إلى المنصب، وطبعا هناك حرف جر وضعه على الكرسي، بينما يعاني باقي أبناء الشعب من مضاعفات حروف العلة.
ينحصر دور الجماهير في التعبير الحر وغير المشروط، عن عدم رضاها عن مستوى بعض لاعبي فرقها، تطالب باستبدال قطع الغيار مرتين كل سنة، لكن في زمن التسوق الإلكتروني اختارت جماهير الوصل الإماراتي طريقة أخرى للتعبير عن رغبتها في رحيل الحارس يوسف عبد الله الزعابي، حيث عرضت صورة للحارس في أحد المواقع الإعلانية الشهيرة الخاصة بالسلع الاستهلاكية، وعلى جانب الإعلان كتبت عبارة «حارس مرمى للبيع بمواصفات إيطالية».
أثارت هذه الطريقة سخرية كثير من المشجعين، سيما من رواد مواقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، بعدما انتشرت صورة الحارس المعروض للبيع في موقع التسوق بشكل ساخر، إلا أن الغضبة الكبرى جاءت من هيئة حماية المستهلكين التي اعتبرت السلعة غير قابلة للاستهلاك، فيما احتج السماسرة على دخول اللاعبين سوق الترويج الإلكتروني، وطالبوا أصحاب هذه المواقع بدخول سوق رؤوسهم.
في هذا البلد تبين بالملموس أن الوحيد الذي كان يقوم بالتغيير الصحيح هو المدرب فاريا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى