سوق الشغل بالمغرب.. آفاق وتحديات
إحداث 588 ألف منصب وتسجيل 300 ألف أجير بالضمان الاجتماعي
كشفت المندوبية السامية للتخطيط في آخر تقرير لها حول سوق الشغل بالمغرب، أن الاقتصاد الوطني فقد 157.000 منصب شغل خلال سنة 2023، لكن الحكومة تتحدث عن دينامية حقيقية وتحول بنيوي كبير لسوق الشغل، يتسم بإضفاء الطابع المهيكل والمنظم للشغل وتحسين جودته. وتشير معطيات حصلت عليها «الأخبار» إلى وجود تطور إيجابي وغير مسبوق لمناصب الشغل المؤدى عنها، وذلك عبر إحداث 588 ألف منصب جديد بزيادة بنسبة 592 في المئة مقارنة بسنة 2021، وفي إطار استراتيجيته الرامية إلى تحسين حوكمة التشغيل على المستوى الوطني، أنشأ المغرب ثلاث لجان رئيسية، تلعب كل منها دورا محددا في إدارة ومواكبة سياسات التشغيل، وهي اللجنة الوزارية للتشغيل، التي تأسست بمرسوم ويرأسها رئيس الحكومة حيث تهدف إلى وضع التوجهات الاستراتيجية الخاصة بسياسات لتشغيل ومواكبة تنفيذها بتشاور مع مختلف الفاعلين، واللجنة التقنية للمتابعة، وهي هيئة داعمة للجنة الوزارية للتشغيل حيث يرأسها الوزير المكلف بقطاع التشغيل، بالإضافة إلى لجنة مراقبة سوق الشغل، التي تتكلف على الخصوص بمتابعة نتائج تنفيذ المخططات القطاعية على مستوى إحداث مناصب الشغل المباشرة وغير المباشرة.
إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي
أفادت المندوبية السامية للتخطيط بأن الاقتصاد الوطني فقد 157.000 منصب شغل خلال سنة 2023، وأوضحت المندوبية، في مذكرة إخبارية حول وضعية سوق الشغل خلال سنة 2023، أن ذلك جاء نتيجة إحداث 41.000 منصب شغل بالوسط الحضري وفقدان 198.000 بالوسط القروي، وأورد المصدر ذاته أنه حسب نوع الشغل، تم إحداث 50.000 منصب شغل مؤدى عنه، نتيجة لإحداث 59.000 منصب بالوسط الحضري وفقدان 9.000 بالوسط القروي.
ومن جهته، انخفض الشغل غير مؤدى عنه بــ209.000 منصب شغل، ويرجع ذلك أساسا إلى تراجع هذا النوع من الشغل بالوسط القروي بــ 190.000 منصب و19.000 منصب بالوسط الحضري، كما انخفض معدل النشاط، ما بين سنتي 2022 و2023، بـ 0,7 نقطة ليبلغ 43,6 بالمئة، ويعزى هذا الانخفاض إلى زيادة السكان في سن النشاط (15 سنة فأكثر) بنسبة 1,4 بالمئة وانخفاض السكان النشيطين بنسبة 0,2 بالمئة.
وكان هذا التراجع مهما بالوسط القروي (ناقص 1,8 نقطة) مقارنة بالوسط الحضري (ناقص 0,1 نقطة)، حيث انتقل معدل النشاط على التوالي من 49,1 إلى47,3 بالمئة ومن 41,9 إلى 41,8 بالمئة. كما انخفض هذا المعدل بـ 0,8 نقطة في صفوف النساء ليبلغ 19 بالمئة مقابل 69 بالمئة لدى الرجال (0,6- نقطة).
ومن جهته، تراجع معدل الشغل من 39,1 إلى 38 بالمئة على المستوى الوطني (ناقص 1,1 نقطة)، حيث سجل تراجعا بــ2,2 نقطة بالوسط القروي (من 46,5 إلى 44,3 بالمئة) وتراجع بــ0,5 نقطة بالوسط الحضري (من 35,3 إلى 34,8 بالمئة). ومن جهة أخرى، سجل هذا المعدل انخفاضا بــ 1,4 نقطة في صفوف الرجال وبـ 0,9 نقطة في صفوف النساء.
وإرتفع عدد العاطلين بـ138.000شخص، ما بين سنتي 2022 و2023، منتقلا من1.442.000إلى 1.580.000عاطل، وهو ما يعادل ارتفاعا قدره10 في المئة، وذلك نتيجة ارتفاع عدد العاطلين بــ 98.000 شخص بالوسط الحضري وبـ 0.000 4 بالوسط القروي.
وهكذا، انتقل معدل البطالة، ما بين سنتي 2022و2023، من 11,8 في المئة إلى 13 في المئة (+1,2 نقطة). وحسب وسط الإقامة، انتقل معدل البطالة من5,2 في المئة إلى 6,3 في المئة (+1,1 نقطة) بالوسط القروي ومن15,8 في المئة إلى16,8 في المئة بالوسط الحضري (+1 نقطة).
تطور مناصب الشغل
تشير معطيات حصلت عليها «الأخبار»، إلى أن تحليل توجهات التشغيل في المغرب لسنة 2023 كشفت عن دينامية حقيقية وتحول بنيوي كبير لسوق الشغل، يتسم بإضفاء الطابع المهيكل والمنظم للشغل وتحسين جودته.
وحسب ذات المعطيات، فمن جهة وبقراءة معطيات المندوبية السامية للتخطيط، يتبين هذا التحول في انخفاض صاف بواقع 157 ألف منصب شغل، ناتج عن إحداث 50 ألف منصب شغل مأجور وفقدان 209 ألف منصب شغل غير مؤدى عنه (الشغل الذي يتم تنفيذه دون الحصول على راتب أو تعويض مالي في المقابل).
إذ ترتكز غالبية مناصب الشغل غير المؤدى عنها على أنشطة في القطاع الفلاحي والقروي والتي تأثرت بتحديات التحول المناخي الذي يشهده العالم والخمس سنوات المتتالية من الجفاف وأزمة المياه التي شهدها المغرب منعكسا بذلك على قدرة هذا القطاع على تحقيق مطالب هذا النوع من التشغيل، وعلى اثره فإن نسبة العاطلين التي ارتفعت من 11,8 إلى 13 في المئة، مرتبطة أساسا بهذه الفئة التي تتعلق بأشخاص يقومون بمساعدة عائلاتهم بدون مقابل.
ومن جهة أخرى، هناك تطور إيجابي وغير مسبوق لمناصب الشغل المؤدى عنها، وذلك عبر إحداث 588 ألف منصب جديد بزيادة بنسبة 592 في المئة مقارنة بسنة 2021، متجاوزا بذلك معدل المتوسط التاريخي البالغ 149 ألف منصب محدث سنويا. وحتى إذا لم يتم الأخذ بعين الاعتبار مناصب الشغل المحدثة في إطار برنامج أوراش (100 ألف) فإن العدد يبقى جد مهم (488 ألفا) نتيجة نجاعة سياسات الحكومة الرامية إلى إحداث فرص الشغل وإضفاء الطابع المنظم عليها، وكذا الزيادات المتتالية في الحد الأدنى للأجور SMIG والتزام الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين ووفق مقاربة تشاركية بين مختلف الفاعلين.
كما يمثل هذا التطور تحسنا ملحوظا في نوعية مناصب الشغل ، بالنظر للتصريحات المقدمة بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي CNSS، التي عرفت زيادة صافية قدرها 313 ألف أجير سنة 2022 مقارنة بـ 175 ألفا سنة 2021 مع توقع نفس الدينامية في ما يخص بيانات سنة 2023 المنتظر نشرها في شهر أبريل 2024 من طرف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي حيث يعكس هذا التطور خطوة هامة في تقدم العمل المأجور الذي يعتبر مؤشرا مهما للعمل اللائق.
غير أن وضع العمل المؤدى عنه وغير المأجور أو التشغيل الذاتي يعطي صورة متناقضة ورقم غير مسبوق يطرح تساؤلات مترابطة وجب تحليلها وربطها، حيث تم تسجيل انخفاض ملحوظ قدره 535.000 شخص في عام 2023 (بيانات المندوبية السامية للتخطيط) متجاوزا بذلك حتى عدد مناصب التشغيل الذاتي التي تم فقدانها إبان فترة الأزمة الصحية والتي لم تتجاوز 112 ألفا.
ويمكن تفسير هذا التغير من خلال إطلاق سياسات اجتماعية قوية تشجع الأشخاص الذين يعملون ضمن التشغيل الذاتي على عدم التصريح بمداخيلهم قصد الاستفادة من الدعم الاجتماعي المباشر، وهو منظور تدعمه تحليلات بعض الخبراء الذين تم اللجوء إليهم لا سيما مكتب العمل الدولي انطلاقا من تجارب سياسيات التشغيل الدولية. إضافة أن هذا النوع من المناصب الذاتي بطبعه لا يتضمن علاقة شغلية وبجودة محدودة في غالب الأحيان وبالتالي لا يمكن اعتبارها فقدانا.
وبالنظر إلى تصريحات المقاولين الذاتيين لدى بريد المغرب التي تعكس تزايد الإقبال على التشغيل الذاتي وبالتالي عدم وجود إشكال يمس مفهوم التشغيل الذاتي ولكن إشكالية تفاوت بيانات وأرقام لا من منطلق التشكيك، ولكن من منطلق تسليط الضوء على دينامية واقع أشخاص ليست لديهم الرغبة في التصريح بالمداخيل قصد الاستفادة القصوى من برامج الدعم الاجتماعي الذي تمكنه السياسات الوطنية الآنية.
وعليه فإن حقل التشغيل في المغرب شهد تقدمًا نحو الهيكلة والنظامية وتحسينا لنوعية مناصب الشغل، وتكيفا للاقتصاد مع بيئة أكثر استقرارًا واستدامة بدينامية حقيقية للعمل المأجور الذي يعتبر أسمى هدف لتحسين الشغل اللائق وضرورة للدفع بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد وطريقا نحو فرص عمل أكثر أمانًا وجودة.
تطور إحداث فرص الشغل
تؤكد الأرقام المتوفرة بوضوح عن تأثير سنوات الجفاف المتتالية على القطاع الفلاحي، مما أدى إلى انخفاض كبير في مناصب الشغل غير المؤدى عنها سنة2023، حيث فقط قطاع الفلاحة أكثر من 200 ألف منصب شغل.
وبالمقابل، شهدت هذه السنة تطورات مشجعة في قطاعات أخرى كقطاع الصناعة بإحداث 7000 منصب شغل جديد، وقطاع البناء والأشغال العمومية بزيادة قدرها 19000 منصب شغل. اذ تبقى هذه التطورات الإيجابية معتدلة بالنظر لخسارة 10000 وظيفة سنويًا والتي ترجع احدى أسبابها للتضخم.
أما قطاع الخدمات، فقد أثبت صلابته على التكيف مع تقلبات الاقتصاد ومقاومة الصدمات، رغم التراجع الذي عرفته سنة 2023 لا سيما وآثار أزمة كوفيد- 19 على التجارة، التي شهدت انخفاضًا كبيرا بـمقدار 74000 منصب شغل.
وأكدت المصادر، أن فهم التشغيل لا يتطلب الاقتصار على تحليله من منطلق تغيرات الأرقام فقط ولكن تحليل بنية التشغيل أيضا التي شهدت تحولا يتميز بانتقال تدريجي نحو قطاع الخدمات. هذا القطاع، الذي أظهر مرونة استثنائية في مواجهة التقلبات الاقتصادية، بنسبة 48 في المئة من إجمالي مناصب الشغل. في المقابل، حافظ كل من قطاعي البناء والأشغال العمومية (BTP) والصناعة على نسبة 12 في المئة لكل منهما، بينما شهد القطاع الفلاحي، انخفاضاً في مساهمته إلى 28 في المئة، وتُبرز هذه التطورات تغييراً رئيسياً في توزيع القوى العاملة على مدار العقد الماضي، حيث برزت هيمنة قطاع الخدمات. فيما اتسمت قطاعات البناء والأشغال العمومية والصناعة ببعض أشكال الركود.
كما يكشف تطور بنية التشغيل أيضا عن اتجاه متزايد نحو دمج الخريجين من المستويات المتوسطة والعليا في سوق الشغل، بما قدره 49 في المئة من إجمالي مناصب الشغل في سنة 2022. إذ تتعلق أغلبية المناصب، أي 51 في المئة بغير حاملي الشهادات، مما يصعب ولوج وإدماج شغيلة أخرى تنتمي لهذه الفئة في سوق الشغل.
كما أن نسبة الوظائف التي يشغلها أشخاص ذوو مستوى تعليمي متوسط إلى عالي، عرفت تقدما ملحوظا من 37 في المئة في عام 2012 إلى 49 في المئة في عام 2022، ولا يعكس هذه التطور فقط الطلب المتزايد للكفاءات والمؤهلات في سوق الشغل المغربي، ولكن تحولاً عميقاً في متطلبات التشغيل تاركا تحديات جديدة مهمة حول سياسات التعليم والتكوين المهني، والحاجة المتزايدة لتعزيز القدرات وملاءمة برامج التعليم والتكوين مع احتياجات سوق الشغل.
القطاع غير المهيكل
بينما عرفت نسبة الشركات التي أفلست سنة 2022 ارتفاعا ب18 في المئة شهد سوق الشغل بالموازاة احداثا صافيًا مهما لمناصب الشغل المأجور، بلغ 313000، بزيادة متميزة بنسبة 79 في المئة مقارنة بالسنة الفارطة ونسبة تأنيث تجاوزت 33 في المئة، والملاحظ من ناحية أن نصف المناصب الجديدة تنتمي إلى قطاع الخدمات (الخدمات المالية، والتأمينات، والإدارة، والإقامة والمطاعم، بالإضافة إلى النقل والتجارة). ومن ناحية أخرى، فإن الشركات التي تضم أقل من 50 أجيرا قد ساهمت في إحداث المناصب بمستوى يماثل الشركات الكبرى التي تضم أكثر من 500 أجير. مما يسلط الضوء على الدور الاستراتيجي للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم في الاقتصاد الوطني، والتأكيد على ضرورة تطوير سياسات دعم مستهدفة لتشجيع توسعها وتقوية مساهمتها الاقتصادية.
وفي انتظار دراسة محينه للمندوبية السامية للتخطيط حول القطاع غير المهيكل فإن أرقام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي تبين بشكل واضح التوجه العام الإيجابي نحو تقوية الاقتصاد المهيكل وخطوة رائدة نحو مستوى العمل اللائق.
وفي سنة2022، شهد عدد مناصب الشغل المأجورة الثابتة نموًا بنسبة 5 في المئة، ليصل في مجموعه 3 ملايين منصب، علما أن 58 في المئة من هؤلاء الأجراء مرتبطون بوظائفهم لأكثر من 11 عامًا، مما يكشف عن استقرار التشغيل في السياق الحالي، وهيمنة العمل طويل الأمد داخل سوق الشغل وتوجها واضحا للوظائف طويلة الأمد وثبوتها.
«فرصة».. «أوراش» و«انطلاقة».. خطط للحكومة لتخفيف عبء البطالة
وضعت الحكومة التشغيل في صميم «أولوياتها» وجعلت له «مكانة أساسية» في اهتماماتها. واعتمدت الحكومة، ولأول مرة، الاستراتيجية الوطنية للتشغيل وكذا المخطط الوطني للنهوض بالتشغيل، وأعلنت عن إطلاق برامج حكومية للنهوض بتشغيل الكفاءات المغربية والشباب وحاملي المشاريع، ويتعلق الأمر ببرامج «أوراش»، «فرصة» و»انطلاقة».
وفي هذا السياق، أعلنت الحكومة عن إطلاق برنامج «فرصة»، الذي يستهدف جميع الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 18 عاما، من حاملي الأفكار أو المشاريع المقاولاتية. وإلى جانب مجهوداتها المتعلقة بمواكبة الشباب في مجال التشغيل، ستواصل الحكومة تشجيع مبادرات الشباب حاملي المشاريع في المجال الفلاحي، وستعمل على مواصلة تنزيل برنامج «انطلاقة». ووفقا للمصدر ذاته، ستواصل حكومة أخنوش في 2024 تفعيل برنامج «فرصة» لدعم المبادرات الفردية للمشاريع، عبر المواكبة والتوجيه والتكوين على امتداد جميع أطوار المشروع حتى تحقيقه، بالإضافة إلى منح قروض شرف دون شروط مسبقة، مؤكدا مواكبة 10000 من حاملي المشاريع في جميع قطاعات الاقتصاد، مع ضمان مبادئ المساواة الجهوية والمساواة بين الجنسين، وخصصت له الحكومة غلافا ماليا يصل إلى 1.25 مليار درهم لعام 2022.
فيما يهدف برنامج «انطلاقة»، الذي تم إطلاقه في فبراير 2020، إلى إطلاق دينامية جديدة تدعم المبادرة المقاولاتية، وذلك لتعزيز الإدماج السوسيو-اقتصادي للشباب، خاصة في المجال القروي. وبخصوص برنامج «أوراش»، الذي تم إطلاقه في يناير 2022، فيهدف إلى خلق مائتين وخمسين ألف (250.000) منصب شغل مباشر في أوراش مؤقتة خلال سنتي 2022 و2023 تقسم إلى النصف أي مائة وخمسة وعشرين ألف (125000) منصب شغل في كل سنة.
ويضع برنامج «فرصة»، الذي يأتي استجابة للتوجيهات الملكية السامية المتعلقة بتشجيع الاستثمار والتشغيل، خاصة بين الشباب، التمكين للمواطنين في صميم عمله، حيث يوفر آليتين تجمعان بين المواكبة والتمويل. ويلتقي برنامج «فرصة» مع مبادرات الدعم الأخرى للمبادرات الفردية، ويتكامل مع المنظومة المعمول بها.
وسيتم تخصيص غلاف مالي لبرنامج «فرصة» يصل إلى 1.25 مليار درهم لعام 2022. ويهدف البرنامج إلى مواكبة 10000 من حاملي المشاريع في جميع قطاعات الاقتصاد، مع ضمان مبادئ المساواة الجهوية والمساواة بين الجنسين.
وتشمل آلية المواكبة تكوينا في التعلم الإلكتروني لجميع المشاريع المنتقاة، بالإضافة إلى احتضان أكثر المشاريع الواعدة لمدة شهرين ونصف، من خلال حشد البنيات المحتضنة على مستوى الجهة.
وفي ما يتعلق بآلية تمويل المستفيدين، تتضمن هذه الآلية تقديم قرض شرف بحد أقصى يبلغ قدره 100.000 درهم، بما في ذلك منحة تصل إلى 10.000 درهم، فيما تعتبر جميع قطاعات الأنشطة مؤهلة للتمويل، وتصل أقصى فترة دفع للقرض إلى 10 سنوات مع فترة تأجيل مدتها سنتان. وتم اختيار حاملي المشاريع بعد طلب تقديم عروض المشاريع، حيث من المقرر أن تكون هذه العملية انطلقت أوائل شهر أبريل 2022. وعقب ذلك، قام المرشحون بتقديم ملفات طلباتهم على المنصة الرقمية ليتمكنوا من الاستفادة من المساعدة على مستوى مكاتب فرصة المفتوحة لهذا الغرض على مستوى كل جهات المملكة، وسيتم توفير مركز للعلاقات مع الزبناء، سيعمل على مساعدة حاملي المشاريع طيلة مدة هذه العملية. بالإضافة إلى ذلك، تم وضع نظام حكامة لقيادة ومواكبة تنفيذ البرنامج، يتشكل من لجنة استراتيجية يرأسها رئيس الحكومة ولجنة قيادة وطنية ولجان تتبع جهوية وإقليمية.
وأطلقت الحكومة برامج «أوراش» بالتعاون مع عدد من الوزارات والمؤسسات في مسعى لتقليص نسبة البطالة في البلاد، وخلق فرص عمل جديدة للفئات التي تجد صعوبات في الحصول على فرص الشغل، في وقت يتوقع البنك الدولي نمو الاقتصاد المغربي، وبهدف خلق مئتين وخمسين ألف فرصة عمل مباشرة خلال عامي 2022 و2023.
وقالت الحكومة إن «البرنامج سيكون في إطار عقود تبرمها جمعيات المجتمع المدني والتعاونيات والمؤسسات مع أفراد فقدوا عملهم بسبب جائحة كورونا، والذين يجدون صعوبة في الحصول على فرص عمل دون اشتراط مؤهلات»، وخصصت الحكومة موازنة بمقدار 2.25 مليار درهم (240 مليون دولار) برسم سنة 2022 لتنفيذ البرنامج.
ويندرج برنامج «أوراش» في إطار تنفيذ البرنامج الحكومي 2021 – 2026، ويهم مواكبة الأشخاص الذين فقدوا عملهم ويجدون صعوبة في الحصول على فرص الشغل، وذلك عبر شراكة تشمل القطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية والسلطات المحلية والجماعات الترابية، وكذلك جمعيات المجتمع المدني والتعاونيات المحلية، بالإضافة إلى مؤسسات القطاع الخاص. ويتكون البرنامج من شقين، يتعلق الأول بأوراش عامة مؤقتة لحوالي ستّة أشهر في المتوسط، والشق الثاني يتعلق بأوراش لدعم الإدماج المستدام.
البرامج الوطنية للتشغيل ودور «الأنابيك»
في إطار استراتيجيته لتنشيط سوق الشغل وتعزيز الإدماج المهني، قام المغرب ببلورة عدة برامج وطنية طموحة تستهدف بشكل خاص الشباب والفئات الهشة لتعزيز نمو اقتصادي شامل ومستدام.
ويتم تنفيذ هذه البرامج من قبل الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات (ANAPEC)، التي تعتبر الجهاز التنفيذي للقطاع الحكومي الوصي على التشغيل، ما يتطلب هيكلة وحكامة قادرة على مواكبة التوجهات الملكية السامية وطموحات البرامج الحكومية الرامية لجعل التشغيل أولوية وطنية.
وفي هذا الصدد عرفت الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات إعادة هيكلة من خلال دمج مستشارين متخصصين وإنشاء مديريات جديدة، حيث تم إحداث مديرية مخصصة بخدمات ريادة الأعمال ودعم أصحاب المشاريع والمقاولة الصغرى جدا من خلال برامج نوعية مصممة خصيصًا لتلبية احتياجات بعض الفئات، سيما الشباب الذين لا يعملون ولا يتلقون تعليما أو تكوين NEET. وتم إحداث مديرية مخصصة بالحركة المهنية المستوى الدولي من خلال مواكبة ودعم الحركية الدولية لليد العاملة المغربية، مع الحرص على الاستجابة للطلب الداخلي.
ويجب التذكير بأن إعادة هيكلة الوكالة أدت إلى مضاعفة قدرتها على التدخل بإدماجها لـ 160,394 شخصًا في سوق الشغل سنة 2023، مسجلة زيادة بنسبة 15,6 بالمئة مقارنة بسنة 2022، وقدرتها على مواكبة مختلف القطاعات الاقتصادية، من خلال برامج للدعم لكل قطاع على حدة، ما مكنها من تحسين نجاعة أدائها وتعزيز خدمات القرب عبر شبكة واسعة تشمل الوسط القروي وبتطوير عرض رقمي يتيح الإرشاد والتوجيه والمواكبة عن بعد، إذ تعتبر إعادة الهيكلة وإضافة بعض المهن تفعيلا للتوصيات الصادرة عن أجهزة الرقابة الوطنية.
وخلال تنفيذ السياسات العمومية الخاصة بالإدماج الاقتصادي وإنعاش التشغيل من طرف الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات، تم إيلاء اهتمام خاص لإدماج النساء وفقا لمقتضيات النموذج التنموي الجديد والتزام المغرب بتحقيق المساواة بين الجنسين. وعملت الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات على تنزيل مجموعة من برامج التشغيل بمردودية مهمة.
وفي هذا الإطار، قامت الوكالة بتنزيل برامج تحسين قابلية التشغيل عبر مجموعة من الإجراءات التي تدخل في إطار برنامج التأهيل، سيما التكوين التعاقدي من أجل التشغيل ودعم القطاعات الواعدة والتكوين التأهيلي والتكوين في إطار شراكات. وبلغ عدد المستفيدين من برامج تحسين قابلية التشغيل 134.259 مستفيدا عام 2023 بتحسن بـ 7 بالمئة مقارنة بسنة 2022.
كذلك تم تنزيل مجموعة من برامج التشغيل لتعزيز الوساطة، وعلى رأسها برنامجا «إدماج» و«تحفيز»، حيث يرمي برنامج «إدماج» إلى تحسين تنافسية المقاولات وإغناء مواردها البشرية من جهة، وإلى تنمية كفاءات الشباب حاملي الشهادات على الخصوص من خلال تجربة مهنية أولى داخل المقاولة من جهة أخرى. ويخص هذا البرنامج إدماج الباحثين عن شغل.
ويهدف برنامج «تحفيز» إلى إنعاش التشغيل في المقاولات والجمعيات والتعاونيات المنشأة حديثا عبر الاستفادة من مجموعة من المزايا في حدود 10 أجراء يتم توظيفهم في السنتين الأوليين من تاريخ بداية الاستغلال\التأسيس في إطار عقد عمل غير محدد المدة، وأجر شهري لا يتعدى 10.000 درهم ولمدة 24 شهرا.
وبالإضافة إلى هذه البرامج، تم تنزيل البرنامج الحكومي «أوراش»، الذي مكن من استفادة 223.099 شخصا منهم 66 بالمئة بدون شواهد و32 بالمئة من النساء. وينقسم هذا البرنامج إلى «أوراش مؤقتة» على صعيد الأقاليم بشراكة مع الفاعلين الترابيين، وهم 103.097 مستفيدا في 2023 و98.110 مستفيدين في سنة 2022، و«أوراش دعم الإدماج المستدام»، الذي هم 16.403 مستفيدين في 2023 مقابل 5489 مستفيدا في سنة 2022.
وفي سنة 2023، تم إطلاق برنامج «أوراش» في صيغته الثالثة، وبلغ عدد المستفيدين من البرنامج 119,500 مستفيد، عبر فئتين رئيسيتين، هما 103,097 مستفيدا من الورشات الإقليمية المؤقتة، و16,403 مستفيدين من ورشات دعم الإدماج المستدام، والتي تأتي في إطار هدف تحقيق 50,000 منصب طويل الأمد.
وتكشف تركيبة المستفيدين من برنامج «أوراش» عن تنوع يعكس مشاركة نسائية بنسبة 37 بالمئة، ما يبرز التقدم المحرز في دمج المرأة مهنياً في سوق الشغل وتحقيق الأهداف الحكومية، علما أن أغلبية المستفيدين 76,852 ينتمون إلى فئة غير الحاصلين على شهادات، بمجموع 64 بالمئة، ما يعكس الإدماج المهني للأشخاص ذوي المؤهلات الأقل، فيما تنتمي نسبة مهمة من المستفيدين للوسط القروي (40 بالمئة).
ثلاثة أسئلة لعبد الواحد الزيات*:
«إكراهات كبيرة تواجه الحكومة بمجال التشغيل ويجب تبني مبادرات خلاقة»
– ما تقييمك لاستراتيجية الحكومة الحالية في مجال التشغيل؟
إن ملف التشغيل يبقى من الملفات الحارقة التي لم تلب طموحات وانتظارات حاملي الشهادات العليا وشهادات التكوين المهني وخريجي معاهد المهندسين، إذ إن هناك هشاشة في سوق الشغل، ودائما ما نسجل هذه الإكراهات بشكل كبير، حيث إنه لا يوجد تناسب بين المناصب المحدثة في القانون المالي وارتفاع نسبة البطالة وتراكم أفواج العاطلين وارتفاع نسبتهم، من مختلف التخصصات، في الوقت الذي تبقى البرامج التي سطرتها الحكومة الحالية وإن كانت تحمل أهداف طموحة، إلا أنها تتميز بالمحدودية الكبيرة ولا يمكنها أن تحل أزمة البطالة، خصوصا في صفوف الشباب وحاملي الشهادات. هذا زيادة على كون الأجور الممنوحة في سوق العمل تبقى في الحد الأدنى، ولا تراعي الكفاءة المهنية والعلمية لحاملي الشهادات، خصوصا المناصب التي يتم إحداثها على مستوى وكالة إنعاش التشغيل والكفاءات، وهي العقود التي تصب في منحى توفير يد عاملة رخيصة للباطرونا، هذا دون الوقوف عند معيار الحد الأدنى للأجور، وارتباط هذا بالكفاءات وخريجي الجامعات وأصحاب الشهادات العليا، الذين يتلقون أجورا تكون في الغالب عند حدود هذا الحد الأدنى ولا تلبي متطلباتهم المادية والاجتماعية، كما لا تتناسب مع كفاءتهم العلمية، ولكون سوق الشغل ضيق فإنهم يقبلون بهذه الأجور على مضض، وبالتالي فبالرغم من الأوراش والبرامج التي أحدثتها الحكومة كما هو الشأن بالنسبة إلى برنامج «فرصة»، إلا أن بعض الاختلالات التي تعتري تنزيل هذا البرنامج والتي خلفت ضحايا هم اليوم يواجهون صعوبات مالية، ما يؤشر على غياب النجاعة في تنفيذ هذه البرامج، وهو الأمر الذي يتطلب أن تتخذ الحكومة في تنزيل استراتيجيتها في مجال التوظيف الجانب الجهوي والترابي.
إن من بين الاختلالات الكبرى في تقديري التي هزت قطاع التوظيف قرار تسقيف التوظيف في قطاع التعليم، الذي يعد من أكبر القطاعات من حيث الموارد البشرية. وقد جاء قرار الحكومة في تسقيف التوظيف في 30 سنة، ليعمق أزمة الشباب المغربي الباحث عن وظيفة، حيث إن عددا كبيرا من الشباب يعيشون حالة من الإحباط. وهذا قد تسبب في أزمة أيضا لكون هذا القرار أيضا يضرب في قانون الوظيفة العمومية، الذي يحدد سن التوظيف في 45 سنة، زيادة على جانب آخر يتعلق بإحداث عدد من مناصب الشغل التي يتم إحداثها داخل مؤسسات عمومية ولا يتم إدخالها في إطار القانون المالي، وهو ما يتسبب في حرمان عشرات الشباب من إمكانية التقدم إليها، زيادة على مهن حرة يمكن أن تكون بابا من أجل التخفيف من بطالة الشباب، خصوصا حاملي الشهادات، ونجد أن هذه المهن في الغالب محتكرة ولا يتم فتح المباريات للتوظيف فيها إلا بشكل محدود، وتبقى هذه المهن بيد عائلات وفئات تستحوذ عليها.
إضافة إلى كل ما ذكرت فالحكومة مطالبة بالعمل على استقطاب الاستثمارات الأجنبية والخارجية، من أجل تعزيز فرص الشغل للشباب والكفاءات المغربية، ونرى أنه كلما ارتفع معدل الاستثمار، سواء العمومي أو الخاص، كلما تراجع معدل البطالة مهما زاد الرواج الاقتصادي.
– ما دلالة أرقام المندوبية السامية للتخطيط التي تشير إلى ارتفاع البطالة؟
تجب الإشارة إلى أن الأرقام الواردة من المندوبية السامية للتخطيط، بخصوص ارتفاع البطالة، تبقى محدودة ولا تقدم الصورة الواضحة عن الوضع الحالي في هذا المجال، علما أن هذه المعطيات لا تغطي فئة مهمة من العاطلين الذين بمقياس المندوبية لا يحتسبون ضمن هذه الفئة، وهم الذين يعتبرون عمالا موسميين أو فئة العمل الهش، بالإضافة إلى أن فئة كبيرة تخرج كل سنة من لائحة العاطلين الشباب، مقابل التحاق فئة أخرى من حاملي الشهادات وخريجي المدارس والجامعات العليا. ونتمنى أن يكون الإحصاء العام للسكنى الذي سيتم إنجازه، الصيف المقبل، قد عالج هذا الإشكال ويرصد الأرقام الحقيقية للبطالة في المغرب. هذا دون إغفال أنه على الرغم من كون الأرقام الصادرة عن المندوبية أرقام رسمية وصادرة عن مؤسسة تضم كفاءات مشهود لها في هذا الميدان، إلا أن الحكومة تحاول التبخيس من هذه الأرقام والتشكيك فيها والتقليل من أهميتها، في الوقت الذي يجب أن تكون هذه الأرقام بمثابة ناقوس خطر يجب أن يحرك الحكومة نحو تحسين ظروف العاملين وتحسين الفضاء المهني، وتحسين مناخ جلب الاستثمار، من أجل تعزيز فرص الشغل وتقوية مجال ولوج الشباب إلى العمل.
- ماذا تقترحون حلولا لارتفاع معدلات البطالة في صفوف الشباب؟
يجب التأكيد على أن الحكومة مطالبة بإجراء عملية مسح لجميع المؤسسات والمقاولات العمومية وشبه العمومية، من أجل رصد مختلف المباريات والوظائف المتاحة، وبالتالي إعلانها للعموم من أجل ضمان تكافؤ الفرص والاستحقاق على قدم المساواة، حيث لاحظنا أن المنصة التي تم إحداثها في ظل الحكومة السابقة بغرض الإعلان عن مباريات التوظيف العمومي، لم يعد يتم الإعلان عبرها من قبل عدد مهم من المؤسسات، وهنا يحرم الكثير من الشباب من مناصب توظيف، بسبب عدم تعميم المعلومات، زيادة على هذا فنحن في الشبكة قد اقترحنا إحداث وكالة بغاية تنظيم التوظيف في المجال العمومي، تكون تحت تدبير الحكومة، وبعيدا عن الحسابات السياسية، كما أننا نقترح أن تكون الجماعات الترابية قادرة على نقل بعض الاختصاصات لشركات محلية توظف الشباب. كما أن هناك قطاعات يمكن أن تدبر في إطار شركات وتعاونيات بدل العشوائية التي هي عليها اليوم، كما هو الشأن مثلا في مجال النقل المهني وسائقي سيارات الأجرة، زيادة على قطاع تدبير القطاع السياحي، خصوصا أننا أمام فرص تنظيم المغرب لكأسي العالم وإفريقيا لكرة القدم، ما يمكن أن يفتح الباب أمام إعادة تنظيم هذا القطاع، زيادة على إيلاء الاهتمام بشكل كبير للعالم القروي والنهوض بوضعية شباب العالم القروي، من خلال تجميع الأراضي والممتلكات الصغرى في إطار شركات وتعاونيات تحتفظ بملكيتها لأصحابها وتخضع للتدبير المشترك منهم. هذا بالإضافة إلى تشجيع المقاول الذاتي، من خلال منحه الصفقات المتوسطة والصغرى مع المؤسسات العمومية، وفي إطار الأوراش التي المغرب مقبل على إنجازها.
* رئيس الشبكة المغربية للتحالف المدني للشباب