سوريا بين رئيسين
أرنست خوري
يخشى بعض هواة الاستراتيجيا والحيل البلاغية من المعارضين السوريين وصول جو بايدن إلى الرئاسة الأمريكية. يقولون إن المرشح الديمقراطي، إذا صار رئيسا، سيكون امتدادا لنهج باراك أوباما، تحديدا في مهادنة إيران وروسيا في سوريا خصوصا، وفي المنطقة عموما. يضحكون على أنفسهم، عندما يستذكرون محاصرة طهران عبر حرب العقوبات، وبضربة على مطار عسكري مهجور في الشعيرات، وبتصفية قاسم سليماني، متعهد التخريب الإيراني في بلاد الشام. يعيشون على أمجاد تصريح ترامب بأنه فكر جديا باغتيال بشار الأسد يوما ما، ويصدقونه عندما يلوم وزير دفاعه السابق جيمس ماتيس الذي عرقل طموح رئيسه، وفق رواية صاحب الـ25 ألف كذبة، بحسب إحصاء صحيفة «واشنطن بوست». يحق لهؤلاء الاستراتيجيين أن يحملوا أوباما مسؤولية ارتفاع طوابق من مبنى المأساة السورية، فهو الذي كذب في تهديدات الخطوط الحمراء الكيميائية، وهو الذي نافق في مزحة تسليم نظام الأسد أسلحة الدمار الشامل التي لا يزال يقتل بها السوريين، وهو الذي فتح طرقات سريعة من إيران وروسيا إلى سوريا، مثلما أهدى جورج بوش الابن العراق إلى حكام طهران. يكفي أن أوباما منع شخصيا وصول أسلحة كاسرة للتوازن إلى المعارضة السورية، يوم كان هناك مشروع بديل حقيقي اسمه «الجيش الحر». كل هذا وغيره الكثير صحيح في استعادة الإرث السوري الأسود الموقع باسم باراك أوباما. لكن ما لا يحق لجماعة الاستراتيجيا هؤلاء فعله أن تصبح شتيمة السلف عندهم مقدمة لكتابة تاريخ متخيل مرتبط باسم الخلف، في ما خص سوريا تحديدا.
عندما يقارن أداء الرئيسين الأمريكيين الـ44 والـ45 في ما يتعلق بسوريا، يصعب العثور على فوارق ملحوظة. حتى فخر الصناعة الترامبية حيال هذا البلد، أي قانون قيصر، الذي أعده الكونغرس في عهد أوباما، فإنه ينطلق في فلسفته من حيث تنبع فذلكة الاتفاق النووي مع طهران، والذي حصن آلة القتل الإيرانية في سوريا. الأول، أي «قيصر»، يتصور معدوه أنه سيجبر النظام السوري في غضون سنوات، على تقديم تنازلات سياسية براغماتية لا تعير قيمة إلا لمصلحة البقاء على رأس النظام، وذلك عندما يخسر بشار الأسد كل حلفائه الذين ستطاولهم العقوبات. إنها قصة سنوات لا حصر دقيقا لها إذاً. في هذا الوقت، فليمت مزيد من السوريين. أما الاتفاق النووي الإيراني، فقد كُتب بكلام احتفظ به أوباما في ذاكرته من زمن يساريته في جامعة شيكاغو: الاتفاق النووي سيؤدي إلى ولادة طبقة برجوازية إيرانية بأفق ليبرالي، سيتضخم حجمها مع مرور السنوات بفعل هجمة الاستثمارات الأجنبية بالمليارات إلى إيران، وهذه البرجوازية ستطالب، أيضا مع انقضاء السنوات، بمزيد من الإصلاحات والمشاركة في السلطة وقضم نفوذ الملالي، وعندها ستتغير إيران في الداخل، وسيتحول وجهها الإقليمي لتصبح دولة «طبيعية»، لا استعمارية ولا توسعية ولا «ثورية». في هذا الوقت، فلتتم إبادة شعوب المنطقة ريثما تنجح تلك البرجوازية الليبرالية في مسعاها.
التعادل السلبي بين ترامب وأوباما في سوريا لا يقتصر على ذلك؛ كلاهما ارتضى توزيع الأراضي السورية كحصص بين الدول الإقليمية الكثيرة التي تحتل الجغرافيا أو القرار السوريين. كلاهما رفض اعتبار السوريين العرب حليفا ضد الإرهاب الداعشي، وذلك الإيراني – الروسي. الأول جاهر بأن كل ما يهمه من سوريا، هو بعض النفط في شرقها وأمن إسرائيل طبعا، والثاني استرسل في أكذوبة رغبته احترام القانون الدولي، الذي برر من خلاله عدم التدخل العسكري لإنقاذ حيوات الملايين من السوريين، بعد مجزرة الغوطة الكيميائية. كلاهما فاوض الأسد عبر وسطاء أو مباشرة، وأعرب عن استعداده لإعادة الدماء إلى مفاصل النظام، في مقابل تنازلات لا علاقة لها بديمقراطية في سوريا.
أمام التعادل السوري بين ترامب وأوباما ـ بايدن، يصبح جائزا للخروج من حصرية الحكم على العهدين من الزاوية السورية الحصرية، والقول إن احترام ما بقي من قيم آدمية يحتم ألا يبقى دونالد ترامب مسؤولا عن مصير أي مخلوق على هذا الكوكب، حتى لو كان البديل من صنف جو بايدن.
نافذة:
التعادل السلبي بين ترامب وأوباما في سوريا لا يقتصر على ذلك؛ كلاهما ارتضى توزيع الأراضي السورية كحصص بين الدول الإقليمية الكثيرة التي تحتل الجغرافيا أو القرار السوريين. كلاهما رفض اعتبار السوريين العرب حليفا ضد الإرهاب الداعشي