«سواق الأوتوبيس»
حسن البصري
كلما أصدر فريق مغربي بلاغا رسميا يكشف فيه إصابة مكوناته بفيروس كورونا إلا وكان سائق حافلة الفريق ضمن لائحة المصابين، ولا تخلو مسحة طبية جماعية من وجود السائق ضمن تشكيلة المصابين. في بداية استئناس الفرق المغربية باختبارات كورونا كان من النادر إخضاع السائق للفحوصات وكأنه غير معني بالمنافسات الرياضية قبل أن يتم تدارك الأمر ويصبح اسمه على قائمة الواقفين في طابور الفحص.
سلطت كورونا الضوء على هذه الفئة التي كانت تعيش روتين المباريات بعيدا عن الأضواء، قبل أن تتحول إلى محاور رئيسي في قضية كورونا حين يتعلق الأمر بأسفار الفرق خارج مدنها. يكفي أن نتوقف عند قرار ولاية مراكش بمنع حافلة الكوكب المراكشي من السفر إلى سلا، وهو القرار الذي أشعر به السائق قبل الرئيس، وقرار أول أمس يمنع فيه والي مدينة البهجة حافلة فريق شباب خنيفرة من ولوج ملعب مراكش بسبب الوضعية الوبائية وعدم استكمال مكونات الفريق المدة الزمنية للحجر.
اليوم أصبح سائق حافلة الفريق ملزما بإجراء الفحص، وأخذ بيانات الراكبين وهواتفهم، ناهيك عن حاجة الفريق إلى حافلتين وسائقين ومكلفين بالأمتعة، ومساعدين، أي «زوج زوج من الحاجة»، والحرص على أن تخضع الحافلة للتعقيم خمس مرات في اليوم، مع «الوضوء» الأكبر مرة كل أسبوع، وهناك شروط فرعية تقضي بعدم دخول الحافلة للمدن المصنفة في خانة البؤر حتى ولو كانت مدرجة في جدول مباريات البطولة.
يعتبر سائق الحافلة بمثابة العلبة السوداء للفريق، فهو شاهد على أفراح وأحزان النادي، وغالبا ما يرتبط بصداقات مع نجوم النادي الذين يأتمنونه على أسرارهم، فقد يرحل لاعبون ومدربون ورؤساء عن الفريق ويظل سائق الحافلة على مقعد القيادة ثابتا مهما كانت قوة الإعصار.
حدثني سائق فريق بيضاوي عن معاناة زملائه، وقال ساخرا إن كورونا أعادت لهم اعتبارهم حين منحتهم حق التفاوض مع السلطات العمومية عند الحواجز الأمينة، فالسائق لم يعد مطالبا بضبط ساعته على مواعيد الفريق والتأكد من ركوب اللاعبين وأفراد الطاقم، بل أضحى يتأبط ملف السلامة الصحية للركاب قبل الحافلة، أو ما يشبه «لافيزيت تيكنيك» لكل من يوجد في جوف الناقلة.
كشف لي سائق الحافلة عن اللحظات الحزينة التي يتقاسمها مع اللاعبين في حالة الهزيمة، حين يصبح الصمت رهيبا داخل الحافلة، أو حين تتعرض للرشق من جهات غالبا ما تعلن مسؤوليتها عن الحادث، أو حين يصر دركي على معاملة حافلة الفريق كما يعامل حافلة نقل عمومي تربط الدار البيضاء بالضواحي.
نادرا ما يكرم السائق من طرف الأندية وجمعيات المحبين و«الإلتراس»، مع بعض الاستثناءات القليلة التي تسجل للأسف خارج المغرب، إذ كرم نادي ريال مدريد الإسباني سائق حافلة فريق كرة القدم فرناندو مانسو بعد تقاعده عن العمل بعد سنوات من الخدمة في النادي الملكي.
وحين توفي عبد الله حسين سائق حافلة فريق نادي العين الإماراتي، خصص لهذا السائق صومالي الجنسية تأبين كبير ووضع لاعبو النادي صورته على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، وحين يموت سائق حافلة نادي مغربي لا ينال من فريقه ولو دقيقة صمت قبل انطلاق المباراة. وحده سائق «كار» المغرب الفاسي الذي لم يتوجه للدار البيضاء هو المطلوب من جماهير الرجاء حيا أو ميتا.
في زمن الأبيض والأسود كان بعض اللاعبين يقودون حافلات فرقهم من باب تعدد المهام، على غرار نجم المنتخب المغربي والمولودية الوجدية سابقا محمد الفيلالي الذي يحكى أنه ناب عن السائق وقاد حافلة فريقه من وجدة إلى أكادير وسجل هدفا.
وبنفس روح التضحية كان عبد الكريم الزاولي نجل مدرب الاتحاد البيضاوي يزاوج بين قيادة الحافلة ومساعدة والده في تدريب «الطاس».
في إسبانيا يدخل السائق على خط الجدل القائم بين الغريمين، إذ تفخر جماهير الريال بسائق حافلتهم الذي وصل لنهائي كأس الأبطال أكثر من برشلونة.