شوف تشوف

الرأي

سنين من العُزلة

يونس جنوحي

البرد يزداد قساوة هذه الأيام في مناطق المغرب المنسية، إذ أن دخول آلاف الأسر المغربية شمالا وجنوبا في حالة عزلة، قد بدأ من جديد بسبب رداءة أحوال الطقس وعدم جاهزية المسالك البرية خلال هذه الفترة من السنة، حيث تبدأ التساقطات الثلجية في جعل الناس محاصرين بين كثبان الثلوج وتحول بينهم وبين الأسواق الأسبوعية والمستشفيات.

ومن جديد، يبدأ بعض المشاهير ومن يسمون أنفسهم «مؤثرين» في الإعلام الجديد، بوضع مبادرات جمع الملابس والأدوية والمساعدات الغذائية لسكان المناطق المعزولة في العالم القروي، في مختلف مناطق المغرب، ولا يكتفون بتنفيذ المبادرة الإنسانية، بل يرفقونها بالصور ويضعون في مرات كثيرة كرامة المستفيدين على المحك.

يقدم هؤلاء الناس ذريعة مفادها أنهم يوثقون المبادرات حتى يعلم المساهمون فيها مصير مساعداتهم وأيضا للتأكيد على أن الإعانات تصل فعلا إلى وجهتها.

هناك طرق كثيرة للتأكد من الأمر، وهو ربط الاتصال مع الشباب المحليين الذين يكونون لجانا لتلقي المساعدات، ويمكن أيضا تأكيد الموضوع بصورة أو صورتين، وليس بآلاف اللقطات التي تُظهر النساء العاجزات بملامح منكسرة وهن يتلقين رزم الملابس أو علب الكرتون التي تتضمن حصص المساعدات الغذائية.

لماذا يصر هؤلاء «المشاهير» على التقاط صور كثيرة مع الأطفال في المناطق النائية؟ يلتقطون صورا مع قاصرين ويضعونها على صفحاتهم التي يتابعها ملايين المغاربة. كل هذه الممارسات تضع هذا النوع من الأعمال الخيرية على المحك.

في المقابل، يوجد فعلا جنود خفاء حقيقيون يشتغلون في القطاع العام والخاص أيضا، ويقتطعون من وقتهم ووقت أسرهم لكي ينخرطوا في مثل هذه المبادرات ولا يلتقطون صورا ولا يبثون مقاطع لهذه الأنشطة، وإنما يجلسون بصمت خلف المقاعد للمساهمة في الحملات الخيرية مثل توزيع الأدوية والمساعدات أو تنظيم حملات التبرع لصالح سكان القرى وإجراء عمليات جراحية لأمراض شائعة مثل رمد العيون أو غيرها من الأمراض الموسمية التي تنتشر في أوساط سكان المناطق المعزولة بسبب بُعدهم عن المركز وعدم وجود إمكانية الكشف المبكر عن عدد من الأمراض.

وكثيرا ما نسمع عن حوادث السير التي يتعرض لها مشاركون في مثل هذه المبادرات بسبب وعورة المسالك. ولن تكون قضية الممرضة التي أصيبت في حادث الأسبوع الماضي عقب مشاركتها في حملة تحسيسية ببعض المداشر في الجنوب، الأخيرة من هذا النوع. ففي فبراير من العام الماضي، توفيت ممرضة على إثر مرافقتها سيدة على وشك الوضع في منعرجات جبلية وعرة بالجنوب.

الذين ينادون بحفظ كرامة سكان المناطق النائية هم أول من يدوسون عليها.

في خرجته الأخيرة، قام عبد الإله بنكيران، الأمين العام الحالي لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة السابق، بتصنيف  قانون تقنين زراعة القنب الهندي ضمن «الموبقات» التي استُعمل حزبه على حد قوله لتمريرها واعتبر أن الله رحم الحزب عندما غادر الحكومة.

هذا الكلام الذي يصدر عن رئيس حكومة سابق لو قيل في بلد آخر لاعتبر الأمر كارثة سياسية حقيقية. لكن الواضح أننا تهيأنا نفسيا لسماع مثل هذه المواقف الشاذة. إذ كيف لزعيم تيار سياسي لم يقدم أي حل اقتصادي واجتماعي على مدى عشر سنوات أشرف فيها على الشأن العام، لسكان المناطق المعزولة المعنية بهذا القانون ويأتي في الأخير ليعترف أن حزبه مرر الكوارث والموبقات.

ماذا يربح سكان الجبال المنسيون كل سنة من وراء الحملات هنا وهناك؟ هذا العطف الموسمي يكرس معاناتهم أكثر، حتى أنه كلما لاحت بادرة في الأفق لفك العزلة عنهم، قاموا بإخفاء أطفالهم حتى لا تنشر صورهم في كل مكان وهم يستقبلون المساعدات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى