سنرجع يوما إلى ملعبنا
حسن البصري
عندما قررت الحكومة اتخاذ إجراءات التخفيف من وطأة حظر التجول، وأعلنت فتح القاعات الرياضية وملاعب القرب وفضاءات الأنشطة والحمامات وتمديد مقام المواطنين في المقاهي والمطاعم لساعتين إضافيتين، وغيرها من تدابير الرفع التدريجي لحالة الطوارئ، بحث عشاق كرة القدم بين سطور البلاغ الحكومي عن عفو شامل يعيدهم إلى مدرجات الملاعب.
منذ أن أصدرت كورونا حكمها القاضي بمصادرة الفرجة الميدانية وأقرت باسم لجنة اليقظة بمنع ولوج المدرجات إلى أجل غير مسمى، ظلت فصائل المشجعين تتابع توصيات اللجنة العلمية والتقنية، قلبها على فرقها وعقلها على منحنى الإصابات بكوفيد ومشتقاته.
حتى لو أعلن الخبراء انتهاء الأزمة وأكدوا أن الخروج من المنزل ومزاولة الأنشطة الاعتيادية أصبح آمنا تماما، سنستغرق وقتا لإعادة التأقلم مع بيئة اعتبرت في الآونة الأخيرة مصدر خطر، حتى لو فتحت المدرجات أمام الجماهير فإن طول فترة الإغلاق «تشحيم» الذات لتستأنس وترويض الأعضاء.
في مبادرة استباقية، أعلنت مجموعة من فصائل المشجعين عزمها على القيام بحملات نظافة لمدرجات الملاعب، ودعت أعضاءها للانخراط التطوعي في عملية غسل وجه وأطراف فضاءات رياضية عانت من تداعيات الوباء. بينما شرعت فصائل أخرى في الاستعداد لمرحلة جديدة ونظمت مناورات في هوامش المدينة تحضيرا ليوم آت لا ريب فيه.
إذا عادت الجماهير إلى الملاعب وهي تحمل بيمناها تذكرة وبيسراها جواز تلقيح ساري المفعول، واحترمت نظام «نصف الطاقة الاستيعابية» فإن المستفيد الأكبر ليس صندوق الفريق وشبابيك التذاكر فقط، بل سيمتد «الانتعاش» ليشمل بائع المأكولات الخفيفة وحارس الدراجات والسيارات ومروج وسائل التشجيع وغيرهم من مكونات اقتصاد غير مهيكل يقتات من جيوب مرتادي الملاعب، وإذا جاد الله جاد عمر.
يرى زعماء فصائل المشجعين أن عودة الجماهير المغربية إلى المدرجات باتت وشيكة، وقد تبدأ من مباراة المنتخب المغربي أمام غينيا بيساو، الأربعاء المقبل، لكنهم طالبوا أتباعهم برفع درجة الاستنفار واستظهار قصائد التشجيع القديمة وخاطبوا قرائح شعرائهم ونظموا مسابقات لانتقاء أفضل القصائد وأجمل المعزوفات، وشددوا في بياناتهم على ضرورة الانخراط في حملات التلقيح.
لن تكون مدرجات الملاعب ما بعد كورونا كسابقاتها، لن تستعيد نشاطها و«زهوها» بعد هبوط مؤشر الخوف، فصناع الفرجة يعانون من ضعف التنافسية ويحتاجون لوقت أطول لاسترجاع طراوتهم البدنية، وترويض أجسادهم والاستئناس بتشجيع في ظل التباعد وصياح منبعث من خلف الكمامات الواقية.
ومهما دعت الفصائل للعودة إلى المدرجات فإن قادتها منقسمون إلى قسمين، طرف لازال يعاني من فوبيا الازدحام وطرف آخر يحيلك على مدرجات ويمبلي وفيلودروم ونيو كامب وغيرها من الملاعب، ويعرض صور المعارك التي حصلت بين المشجعين في أول أيام العودة إلى المدرجات.
لا يمكن أن نعتبر نصف امتلاء ملعب بالمتفرجين، نصف مشكلة ونصف محنة ونصف قلق، لأن مشجعا واحدا يمكنه أن يعبث بالفرجة إذا سكنته نوايا الشغب، واخترق الملعب ليقوم بوصلته المألوفة ويختبر اللياقة البدنية لأمن الملاعب الذين يعانون بدورهم من ضعف التنافسية.
قبل أن تفتح فرنسا ملاعب الكرة في وجه المشجعين، أخضعت كل مكونات العملية التنظيمية لدورات تكوينية تداخل فيها الهاجس الأمني بالصحي، ووضعت رهن إشارة الأندية وسائل المراقبة وجهزت الملاعب بمصحات ميدانية، رغم ذلك سجلت حالات شغب في الدوري الفرنسي وكأن الفرجة لا تكتمل حتى يراق على جوانبها الدم.
سيستهل الجمهور حضوره بوقفة تأبين لاستحضار أرواح مشجعين اقتسموا معهم حب النادي قبل أن يقتلهم الوباء، سيدشن عودته بدعوات الإفراج عن رفاق تمردوا على نظام الطوارئ وانتهى بهم المطاف خلف القضبان، سيرسل شظايا الغضب صوب لاعبين استأنسوا بصمت المدرجات فاعتقدوا أن لا حسيب ولا رقيب إلا نقرات الفضاء الأزرق، وسيدين مسيرين يشكرون في صلواتهم كورونا لأنها مددت مقامهم على كراسي المسؤولية وجعلت من الجموع عن بعد فرصة لممارسة ديكتاتورية عن قرب.