سنرجع يوما إلى حينا
حسن البصري
يردد جمهور كرة القدم في بلادنا مع فيروز مقاطع من رائعتها ويمني النفس بالعودة إلى مدرجات الملاعب، بعد أن قضى أزيد من سنة بعيدا عنها يتابع مباريات فريقه المفضل عند بعد.
«سنرجع مهما يمر الزمان/ وتنأى المسافات ما بيننا»، هكذا يقول لسان حال عشيرة الكرة كلما صدر بلاغ يخفف من هول الحجر ويفك الحصار المضروب على الفرجة.
في عالم الكرة يتم اللجوء إلى «الوي كلو» في بعض المباريات حيث يمنع الجمهور من متابعتها ميدانيا، كقرار زجري يحرم الفريق من تشجيعات جمهوره بسبب سلوك لا رياضي يقتضي القصاص، قبل أن يأتي زمن كوفيد التاسع عشر وسلالته ونعيش أطوار مباريات بلا جمهور ولا حماس إلا تسجيل صوتي يبعث الدفء في الملاعب ويزرع في الفضاء «أومبيونس» مصطنع قابل للاستهلاك.
قبل أن تدور الكرة حول نفسها بادرت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بتنسيق مع لجنة اليقظة إلى اعتماد «بروتوكول صحي» يجعل الفرجة في الملاعب مقيدة بإجراءات احترازية صارمة، ويمكن السلطة المحلية من منع إجراء مباراة إذا زاغت عن البروتوكول. لكن اليوم لم تعد فرجة المسارح في حاجة لبرتوكول صحي صارم، ولا حاجة لقائد يملك الجرأة الكافية لاقتحام الخشبة وإطفاء الإضاءة والعبث بالديكور وإرسال الممثلين إلى غرفة تغيير الملابس.
لقد أعفي اللاعبون من العناق غير المبرر والمبرر، واضطروا لمصادرة الفرحة الجماعية، كما صدر إعفاء من تحية الجمهور واكتفى بعضهم بحركات أمام الكاميرا تحمل رسائل لمن يهمه الأمر، أما رجال ونساء المسرح فقد تخلصوا من مشهد مسارح فارغة تنبعث من مقاعدها رائحة المصادرة.
اليوم تطالب الهيئات الصحافية من جامعة الكرة تكسير قيود أبواب منصات الصحافة، على غرار دول أخرى، لكن الملتمس أحيل على لجنة اليقظة التي تعلم أن السماح للصحافيين بولوج الملعب مستحيل في الوضع الراهن الذي اختلط فيه الصحفي بالمشجع والحوار بالاستنطاق وباسم الإثارة تنتهك حقوق الأشخاص في واضحة النهار وتحت جنح الظلام.
وافق الاتحاد الإفريقي لكرة القدم على حضور الجمهور في مباراة الأهلي والترجي التونسي، في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال إفريقيا، المقرر إقامتها يوم السبت المقبل بتونس، حيث وافقت اللجنة الطبية التابعة للكاف، على حضور جماهير الفريق التونسي في ذلك اللقاء، بعد موافقة وسماح السلطات الصحية في تونس، بحضور عدد محدد من الجماهير.
وقد يكون هذا القرار مؤشرا لعودة وشيكة للجمهور المغربي إلى المدرجات خاصة في المباريات القارية، لكن ما يشغل رجال السياسة أكثر مما يشغل جمهور الكرة، فهم حائرون يتساءلون عن التدابير الاحترازية لتجمعاتهم الانتخابية وما إذا كان سيسمح للجمهور الناشئ بمتابعتها.
الصحافيون والمشجعون والسياسيون في الهم سواء، كل يبكي للاه على طريقته الخاصة، منهم من يحن لمنصته ومنهم من يسعى لترويض لسانه على موشحات طالها التقادم، ومنهم من يحن لخبز أمه وقهوة الرئيس، ومنهم من يتطلع لكرسي يقتات منه.
لكن عدم اهتمام المواطنين بالانتخابات والتجمعات الانتخابية الميدانية، أدى إلى هجرة المرشحين، إلى العالم الافتراضي، لمحاولة إقناع الناخبين ببرامجهم الانتخابية، حيث ستغزو الفضاء الافتراضي صور ومقاطع مصورة للمرشحين وأنشطتهم وسيرتهم الذاتية، وتعفي الأحزاب من الاستنفار لخصوم يسعون إلى تحقيق انتصارات في التجمعات الخطابية.
في السياسة كما هو الحال في الرياضة، تحتاج مدرجات ملاعبنا إلى قوات لحفظ السلام، بين العائدين من المقاطعة، والرافضين خيار العصيان، ويحتاج «الكابوهات» إلى عملية إحماء لأن أغلبهم يعانون من ضعف التنافسية، بسبب ضوابط كورونا، إنهم يستعجلون العودة إلى المدرجات بعد أن سئموا من فرجة عن بعد وتعليم عن بعد واجتماعات عن بعد، وحدها المعارك تكون عن قرب.
مات الشاعر الفلسطيني هارون هاشم رشيد، مات بعيدا عن وطنه، انتظر طويلا ثم غادر ولم يرجع إلى الحي، مات الرجل قبل أن يغرق في دافئات المنى.