شوف تشوف

الرئيسية

سنة بيضاء؟

البلاغات الكاذبة في مجال التعليم، من قبيل البلاغ الكاذب الذي يتحدث عن إقرار سنة دراسية بيضاء، هي أمر مُدان جملة وتفصيلا، ومن يقفون وراءها مجرمون عن سبق إصرار وترصد. إذ في الوقت الذي تجتهد السلطات الحكومية بمختلف مجالاتها لتهدئة نفوس المواطنين، بخصوص سلامة أبدانهم وحسن معاشهم ومستقبل أبنائهم، هاهي حفنة من تجار الأزمات يستغلون «الفراغ» الذي فرضه الحجر الصحي لـ«يُبدعوا» مبادرات تكرس المخاوف وتعمقها. ولا يهم هنا أن نتساءل عن النوايا والخلفيات التي تقف وراء هذه الأفعال الإجرامية، لكون الحقيقة الساطعة، التي لا تشوبها ذرة شك، هي أن صناعة الإشاعات لطالما كانت وسائل بالطابور الخامس في كل الحروب. لذلك فهؤلاء خونة، ولسنا في حاجة لمعجم نتوسل به لتبيان حقيقتهم.
فالحقيقة الآن، هي أنه من السابق لأوانه افتراء فِرْية واختلاق كذبة من نوع السنة البيضاء، فكما اضطر المغرب لأول مرة إلى اعتماد التعليم عن بعد، فإن لا شيء يمنع من اعتماد التقويم عن بعد أيضا، هذا إذا ساءت الأمور أكثر لا قدر الله. والحال أن الوضع الوبائي في المغرب متحكم فيه بشكل ممتاز، اعتمادا على شهادات أجنبية ذات موثوقية ومصداقية، فإن الدراسة العادية ستعود حتما في غضون شهر على الأكثر، وسيتم استدراك كل ما فات، وهذا ليس توهما بل حقيقة لا يشك فيها إلا من لا يُعتدُّ برأيه أو بنظره.
إذن، في مقابل هذه الثقافة المقيتة التي تبخس كل شيء، ينبغي اليوم أن نكون مصادر أمل. والأمل هنا ليس كاذبا أو مختلقا بل هو واقعي، وما نحتاجه سوى القليل من ثقافة الاعتراف، ليظهر لنا في الأفق المنظور.
فالوزارة الوصية تقوم بمجهودات جبارة لا يرى فيها عموم الموظفين والمواطنين إلا السطح أو الثمار، لكن ما ينجز في الكواليس ضخم ولا يمكن إلا تثمينه. ففي ظرف قياسي تم إنتاج آلاف المواد الرقمية التي نقلت تعليمنا لأول مرة إلى مرحلة تدمج فعليا التعليم الرقمي ضمن التدريس. و«رب ضارة نافعة» كما يقال، فبعد سنوات طويلة كانت الأنشطة الرقمية مقتصرة على الحياة المدرسية وبعض التكوينات النخبوية المحدودة أو الفردية المعزولة، هاهي الوزارة اليوم تقود أكبر وأضخم عملية، تلك المتعلقة بضمان الديمومة التربوية، على أساس أن الانتقال من التعليم الحضوري إلى التعليم عن بعد، ماهو سوى انتقال يهم الوسائل وليس الغايات.
في هذا المستوى ينبغي أن نثمن، أيضا، المرونة التي طبعت تعاطي الإدارات المركزية والجهوية والمحلية مع هذا التحدي. ففضلا عن الاجتهاد في وسائل تصوير الدروس وتجويد المواد الرقمية المختلفة، ومن ذلك الاستعانة بشركات إنتاج محترفة، هناك أيضا تطوع غير مسبوق يقوم به مفتشون وإداريون ومدرسون، يستحقون منا كل التقدير والاعتراف.
في المقابل، ينبغي، أيضا، أن نقر بأن العملية ليست ناجحة بإطلاق، خصوصا وأن الملايين من التلاميذ والطلبة لا يتوفرون على أجهزة تكنولوجية تمكنهم من الاستفادة من هذه المجهودات. أي أن هذه الفئة، والمشكلة أساسا من تلاميذ هوامش المدن والقرى، يوجدون اليوم عمليا في حالة انقطاع قسري عن الدراسة. لذلك ينبغي التعجيل بإيجاد حلول، سواء على مستوى الوزارة أو الحكومة، تمكن التلاميذ الذين لا يملكون الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية Tablets وغيرها من فرص تساويهم مع زملاء لهم تمكنهم ظروفهم الاقتصادية من ذلك.
في هذا المستوى، نستغرب أن لجنة اليقظة الاقتصادية التي تسعى لاحتواء إجراءات الحجر الصحي، لم تفكر حتى الآن في تخصيص جزء من الميزانية التي تحصل عليها صندوق مكافحة جائحة كورونا لتوفير وتعميم هذه الأجهزة على الطبقة المتضررة. على الأقل على حوالي 400 ألف تلميذة وتلميذ سيجتازون امتحانات الباكلوريا بعد شهرين ونصف من الآن. والحس السليم يجعلنا نفهم جيدا أن الألفي درهم أو الألف درهم التي خصصت للمستخدمين المتضررين من إجراءات الحجر لا يمكن أن تخصصها الأسر لاقتناء وسائل التعلم بدلا من الخبز ودفع الفواتير الأساسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى