سمسار حلال
حسن البصري
لا حديث في ردهات المحكمة الزجرية عين السبع بالدار البيضاء إلا عن قضية «سمسار المحاكم»، الذي ظهر في شريط فيديو وهو يساوم سيدة منقبة هي ابنة سجينة متهمة بتكوين عصابة إجرامية، ويعرض عليها وساطته من أجل التدخل لدى أصحاب «الوقت» من أجل تخفيض مدة الاعتقال وتمتيعها بظروف التخفيف إذا دفعت ثمن ذلك نقدا.
ويتبين من خلال بحث في سيرة السمسار أنه صاحب سوابق في النصب والاحتيال وانتحال الصفات المدرة للدخل، وأنه اسم معتمد في ردهات المحاكم، متجول بين الكوميساريات التي يحفظ عن ظهر قلب أسماء مصالحها ويعرف منعرجات مساطرها.
رفعت مذكرة رئيس النيابة العامة محمد عبد النباوي، الموجهة إلى وكلاء الملك لدى المحاكم حول «التصدي للنصب بمحيط المحاكم»، درجات الاستنفار بحثا عن سماسرة محترفين يعرضون خدماتهم على المتقاضين وفق أسعار تحددها طبيعة الملفات والمكانة الاعتبارية لأطراف القضية، في مس صريح بالعدالة وتحطيم لجهود إصلاحها.
إذا كانت النيابة العامة قد استفزها شريط السمسار، فإن قطاعات أخرى تظل رهينة سماسرة أشداء لا تطولهم المساءلة القانونية، بل إن السمسرة عند البعض حرام وعند البعض الآخر حلال.
في محاكم الرياضة عشرات السماسرة ينتشرون في أرض الله الواسعة، يعرضون خدماتهم على متقاضين من لاعبين ومدربين يعانون من بطء مساطر التنفيذ في قضايا المنازعات الرياضية. لكل تدخل سعره، فالتعجيل بالتبليغ له ثمنه والتنفيذ له سعره ووقف الاستئناف له عمولته.
مدرب مغربي شاب تعرض للمساومة من طرف سمسار اختصاصي في «المنازعات الرياضية»، فقد عرض عليه سمسار خدمة الصلح، ووعده بالتدخل لدى رئيس الفريق من أجل إيجاد صيغة توافق، مقابل نسبة مئوية من المبلغ المالي الذي مازال على ذمة الفريق، مع وعد بتشغيله ضمن مؤطري الفئات الصغرى لضمان شغل يداري به اعتزاله الكرة.
مازال المدرب يحتفظ بالتسجيل الصوتي للسمسار، وحين قرر ذات مساء تسريبه حتى ينفضح الأمر وينكشف الفساد، عاش ورطة حقيقية فقد رفع السمسار دعوى قضائية يتهم فيها المدرب بتشويه سمعته في المجتمع الرياضي مؤكدا على أنه مجرد فاعل خير حاول تقريب وجهات النظر بين مدرب مطرود وبين رئيس غاضب.
نحمد الله لأن الجامعة الملكية المغربية وضعت دفتر تحملات كشرط لنيل صفة وسيط معتمد، بعد أن ظلت المهنة تحت رحمة وسطاء لا يملكون إلا هاتفا محمولا وشبكة علاقات وقدرة على الإقناع من أجل استقطاب الزبائن، وأصبح اليوم لكل وسيط بطاقة مهنية وضمانات لوساطة حلال.
لكل قطاع سماسرته، ففي كل عملية بيع تذاكر يظهر سماسرة ترويج التذاكر، يتحكمون في السوق السوداء والبيضاء، يرفعون الأسعار ويخفضونها حسب أحوال طقس المواجهة، ثم يختفون عن الأنظار دون أن يتابعوا المباراة إذ ينكبون على توزيع الغنائم، لأن الراسخين في السمسرة يعرفون أن قيمة السمسرة تذهب عادة إلى جيب الشخص الذي يمثل الواجهة، غير أن المبلغ يوزع على جيش من المتعاونين والموظفين الفاسدين في المصالح والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية والحياحة..
لكن تسريب مكالمة سمسار المحاكم لا تقل بشاعة عن مكالمات أخرى منها ما هز مشاعر من استمعوا إليها، كالمكالمة الهاتفية التي دارت بين سمسار بيع أعضاء بشرية وسيدة تعرض كليتها للبيع، وسمسار مختص في تهريب اللاعبين إلى الدوريات الأوربية عبر الهجرة السرية، وآخر يعرض على الآباء خدمة إيواء أبنائهم في أكاديميات رياضية دون الحاجة إلى مهارات تقنية وهلم شرا.
في حوار بين الشيطان وأحد سماسرة الهجرة غير الشرعية، قال السمسار لإبليس: «أنا سمسار هجرة غير شرعية، مهمتي تخليصهم من الفقر إذا لم يبتلعهم البحر»، ليرد عليه الشيطان في اندهاش وانبهار لما يفعله: «أنا بسموني شيطان فقط لأنني أوسوس».