سلة غذاء العالم
يتضح الآن أن الديمقراطية وحقوق الإنسان مفاهيم تعيش عليها المجتمعات في أوقات الرخاء الاقتصادي والترف الفكري، أما عندما تتبدل الأحوال وتأتي الأزمنة الرديئة فإن الأنظمة تعود إلى طبيعتها الأصلية، أي السلطوية لضمان البقاء لها ولشعوبها.
ما يحدث أمامنا اليوم على طول الكرة الأرضية يؤكد هذا الاستنتاج. أمريكا التي كانت إلى حدود الأمس تقود العالم وتنقط للدول والأنظمة حول احترام حقوق الإنسان سمعنا رئيسها يقول إن موت 100 ألف أو 200 ألف من الأمريكيين بسبب كورونا سيكون إنجازا رائعا.
فالرجل يفكر بعقلية من يدير شركة قابضة وليس دولة، يضع في احتماله الخسائر ويراهن على الأرباح، فعند ترامب رأس المال أهم من رأس الإنسان.
وحتى في أوروبا بدؤوا يفكرون في الكساد الذي سيخلفه الحجر الصحي وهناك دول تفكر في رفعه سريعا حتى لا تفقد اقتصادها.
في فرنسا وإيطاليا أصبحنا نرى من ينكس علم الاتحاد الأوربي ويرميه أرضا. وها نحن نرى دولًا لطالما أعطت العالم دروسًا في الديمقراطية واحترام الشرعية الدولية تتصرف كأي قرصان من القرن الوسيط. دول تسطو على شحنات قفازات وأقنعة دول أخرى في المحيطات كما كان يحدث أيام القرصنة البحرية، طائرات تحمل معقمات وآلات تنفس يتم تغيير اتجاهها لمن يدفع أكثر، شحنات أدوية تباع فوق أرصفة المطارات في المزاد العلني كما كانت تباع قبل قرون شحنات القهوة والشاي في مرافئ المستعمرات البعيدة.
وعندما يتعلق الأمر بالغذاء، لأن الاقتصاد بالنهاية هو ضمان الغذاء، تنسى الأنظمة كل مبادئها وشعاراتها وحتى خلافاتها، لأن ما يهمها هو ضمان بقاء شعوبها على قيد الحياة. واليوم نرى كيف أن دول الاتحاد الأوربي التي كانت تقيم الحروب ضد المغرب في البرلمان والاتحاد الأوربي، بسبب المنتجات الفلاحية والبحرية القادمة من الأقاليم الصحراوية، تطالب المغرب اليوم بأن يصدر إليها المنتجات الفلاحية بما فيها تلك القادمة من “الصحراء الغربية” كما يسمونها.
هنا نفهم النظرة بعيدة المدى للمخططات الفلاحية التي أطلقها الملك قبل 15 سنةً الأخيرة والتي بفضلها حقق المغرب الاكتفاء الذاتي في الخضر والفواكه والقطنيات والتمور والحليب ومشتقاته واللحوم بكل أنواعها وتربية الأحياء البحرية.
وبما أن مصانع العالم أقفلت والقلة القليلة التي أبقت على أبوابها مفتوحة تدور عجلتها ببطء فإن الطلب على النفط تراجع، وبالتالي فأسعاره تهاوت، والدول التي يشكل النفط عماد اقتصادها، مثل الجزائر التي يشكل النفط والغاز 99 بالمائة من عائدات صادراتها، فستجد نفسها بعد مدة قصيرة أمام أزمة غذاء غير مسبوقة.
ويتضح مما نعيشه اليوم أن العالم يستطيع أن يتخلى عن البترول لكنه لا يستطيع أن يتخلى عن الغذاء، وبدون فوسفاط يستحيل أن نتحدث عن الغذاء، فهو المادة الأساسية والضرورية في كل زراعة على وجه الكرة الأرضية.
هنا سيكون مفيدًا أن نذكر بما سبق أن نشرته المجلة الأمريكية الشهيرة ساينس في دراسة لعلماء أمريكيين متخصصين أكدت أن الفوسفاط سيتحول إلى الثروة الطبيعية الأولى في العالم.
وأكدت الدراسة نفسها أن الفوسفاط المغربي سيزيح النفط، لأن المغرب يتوفر على احتياطي يغطي 700 سنة القادمة.
وتوقعت أن المغرب سيتحكم في إنتاج الفوسفاط لأنه يملك 75 في المئة من الاحتياطي العالمي، مما سيجعله بلدا غنيا.
هذا يقودنا إلى الاعتقاد أن المغرب أمامه مستقبل واعد بإذن الله، لأن مستقبل العالم الغذائي سيكون عندنا. يكفي فقط أن يضع صانعو السياسات العمومية القطاعات المتعثرة فوق السكة وأن يضعوا ثقتهم في أبناء البلد الوطنيين الغيورين عليه وعلى وحدته، وأن يزيحوا من طريقه السياسيين المرتزقة الذين لا هم لهم سوى امتيازاتهم ومناصبهم وتقاعدهم المريح.