سكان طنجة كانوا يلقبون الصحافي الشهير والتر هاريس بـ«العيساوي»
الفصل الأول طنجة
يونس جنوحي
«آه سيدي محمد الحاج. آه السلامة يا سيدي محمد الحاج. السلام عليكم سيدي محمد الحاج.
استدرنا حول «مالاباطا» وصرنا في منطقة بحرية هادئة مرة أخرى. تبدو لنا طنجة كاملة، بمنازلها البيضاء وأسقفها المسطحة في أعلى التل. وتظهر القصبة شامخة في السماء الزرقاء.
حتى السيدة الأمريكية التي كانت معنا، والتي كانت تعاني من دوار البحر، رفعت رأسها إلى الأعلى حيث كانت تتوسد كتف مُرافقتها الجميلة، منذ غادرنا جبل طارق قبل ثلاث ساعات. أخرجت المنظار الزجاجي من جيبها، عدلت قبعتها وقالت بنبرة انتباه:
-«حسنا، أعتقد أن هذا أكثر مكان مثير للاهتمام سبق لي أن رأيته. لا يمكن أن أقارنه بمدينة بوسطن. آنجيلا استيقظي لتري إفريقيا!».
وقفت آنجيلا بتكاسل وبدأت تنظر إلى المغاربة الواقفين في مراكبهم الصغيرة، وقالت لأمها:
-«أمي.. يجب أن أتزوج مغربيا».
ضاع جواب أمها وسط صراخ السكان المحليين الذين كانوا يتسلقون الباخرة وينقلون أمتعة الجميع بدون إذنهم ويحملونها إلى مراكبهم».
كان هناك مرشدان أو ثلاثة، يرتدون ملابس محلية رائعة، أضفوا عليها نوعا من «الفانتازيا» لأنهم كانوا، بالإضافة إلى ملابسهم التقليدية، يرتدون أحذية جلدية لامعة وياقات أوروبية، ويسارعون في كل اتجاه لاستقبال الركاب وإرشادهم نحو الفنادق.
صاح واحد من أصحاب القوارب متحدثا معي:
-«صباح الخير آ العيساوي»، وهو صديق قديم، امتدت إليّ يده الغليضة، غامقة اللون، من مركب كان يرسو أسفل الباخرة. اهتزت يدي، أثناء المصافحة، إلى درجة أن الإحساس بالارتجاج ظل يلازمني بعض الوقت.
أبحرتُ إلى الشاطئ على متن قاربه.
لم يكن لدي أي مشكل مع الجمارك، ولم تكن معي أمتعة لأفتحها أمامهم. موظفو الجمارك كانوا ثلاثة أو أربعة، يجلسون تحت رواق تحفه الأقواس ويعرفونني جيدا.
كان جميع سكان المملكة الشريفة يعرفون لقبي.
حتى النساء كن ينطقنه من تحت أطراف أثواب «الحايك» الحريرية. «العيساوي» تعني لقب الشخص الذي يتبع سيدي بن عيسى، الولي الأعظم لمروضي الثعابين. الثعابين التي روضتُها هي التي جعلتني أفوز بهذا اللقب.
مددن أيديهن البيضاء نحوي، أمسكن يدي وتمتمن ببعض عبارات الترحيب.
خادمي التقاني هنا، أقصد خادمي المُخلص سالم، وأنا مؤمن فعلا بأنه سُرّ عندما رآني.
تركتُه ليتكلف بحقيبتي ويأخذها إلى مسكني في المدينة العتيقة، بينما مضيتُ نحو المنحدر، تحت باب المرسى، مرورا بالجامع الكبير بمئذنته المكسوة بالبلاط، وصولا إلى مقر المفوضية.
التقاني السيد جاك گرين في الباب، وكان محاطا بفريق من الكلاب التي رحبت بي مثل صديق قديم، حيث كانت تتقافز نحوي وتسقطني أرضا.
كان موظفو المفوضية يشربون الشاي في الطابق العلوي.
بِضع أسئلة، وبعض الأجوبة وقليل من الرسائل، وبعد أن قيلت آخر الأخبار المتداولة، وأحسست بأنني لم أعد ضيفا حديث الوصول إلى طنجة، إلا أنني قمتُ بسد الفجوة التي نشأت خلال الأشهر الأربعة التي كنتُ غائبا فيها، وواصلت حياتي القديمة في المغرب، تماما حيث تركتُها منذ وقت قصير.
جئت أسبوعا قبل بقية أفراد مجموعتنا، لأتكلف بالإعدادات، حتى يتسنى لنا، بمجرد وصولهم، الانطلاق في رحلتنا إلى الداخل نحو مكناس وفاس. وخصصتُ اليوم الموالي لهذه الاستعدادات.
يجب أن أجد الرجال والبغال. هي مهمة ليست سهلة أحيانا في فصل الشتاء، لكن، من خلال تجربتي السابقة، ومعرفتي الشخصية بأغلب الرجال الذين يشتغلون في مرافقة القوافل، جعلت المهمة أكثر سهولة، بالنسبة لي، مما قد تكون عليه بالنسبة لأغلب الناس. وبغض النظر عن هذا كله استفدت من المساعدة التي لا تقدر بثمن، التي أسداها لي صديقي «كارلتون» الذي كانت معرفته باللغة العربية، والناس والمغرب لا مثيل لها.
جلسنا نحن الاثنان معا للعمل، حتى نكون مستعدين إلى حد ما عند وصول بقية أفراد مجموعتنا، بعد أسبوع تقريبا، رغم أن الأمور لم تكن مرتبة بشكل مثالي.