شوف تشوف

الرئيسية

سكان تطوان يمتنعون عن تناول مياه شرب المدينة بعد صدور نتائج تحليل مختبر إسباني

تطوان: حسن الخضراوي
ما زالت أزمة مياه الشرب تخيم على مدينة تطوان والمدن المجاورة، وقد فقد عدد كبير من سكان الأحياء ثقتهم في شربها واستعمالها، بعد صدور نتائج تحليل مخبري قام به مختبر إسباني بناء على طلب جمعية المحامين الشباب بتطوان، وخلصت النتائج إلى أن عينة الماء التي تم بعثها لا تستوفي معايير الماء الصالح للشرب والاستهلاك، حسب تقريرين مفصلين تتوفر «الأخبار» على نسخة من كليهما.
ويتساءل سكان تطوان عن البلاغات السابقة للمجلس البلدي الذي يقوده حزب العدالة والتنمية في الموضوع، وهل كذب عندما نصح المواطنين بمواصلة شرب واستهلاك الماء لأن التحاليل التي أجراها مختبر البلدية بعد ظهور طعم غريب ورائحة كريهة أثبتت أن لا ضرر على صحة المواطن، وأن السبب هو تغيير نقطة التزود والانتقال من سد أسمير نحو سد النخلة.
هناك العديد من النقط الغامضة في الملف وتضارب التصريحات والنتائج، زادت من تعميق عدم ثقة المواطن الذي أصبح يعتمد على مياه الينابيع المحيطة بالمدينة، أو اللجوء إلى شراء المياه المعدنية التي ارتفع الطلب عليها رغم تكلفتها الباهظة وتأثيرها السلبي على ميزانية الأسر الفقيرة والمعوزة.
ينتظر سكان تطوان بفارغ الصبر نتائج التحاليل التي سيعلن عنها مختبر الدرك الملكي قريبا، بعد تكليفه من طرف رئيس المحكمة الابتدائية لما يتوفر عليه من مؤهلات ومعدات تخوله للقيام بمهمة كشف مدى مطابقة مياه الشرب بتطوان للمعايير الدقيقة المتفق عليها بالمغرب بشكل رسمي.

هل كذب المجلس ؟!
زار طاقم «الأخبار» أحياء متعددة من مدينة تطوان في جولة استطلاعية للتحقيق في أزمة مياه الشرب التي اندلعت خلال الأسابيع القليلة الماضية، وقد تكررت على مسامعنا أسئلة متعددة من المواطنين الذين عبروا عن قلقهم وخوفهم من أن ينعكس استعمالهم لمياه الصنابير بشكل سلبي على صحتهم، وإصابتهم بأمراض خطيرة سواء على المستوى القريب أو البعيد.
يقول محمد بكور، وهو رجل في الستينات من عمره يسكن حي التوتة، وكان يعمل في القوات المسلحة الملكية الجوية قبل تقاعده، أنه توقف وأسرته عن استهلاك المياه التي تزودهم بها شركة «أمانديس» خلال المرحلة الأولى من الأزمة وظهور الرائحة الكريهة والطعم الغريب، لكنهم عادوا إلى استهلاكها بشكل طبيعي بعد صدور بلاغات مجلس إدعمار المتكررة في الموضوع وتأكيدها على أن لا ضرر على صحة المستهلك، ليفاجؤوا مساء الخميس الماضي، بانتشار أخبار صادمة بالمواقع الإجتماعية والصحافة الالكترونية تؤكد أن المياه غير صالحة للشرب ولا تستوفي الشروط الضرورية، حسب نتائج مختبر إسباني مختص في المجال، ما زاد من حيرة الجميع يضيف المتحدث، وتساؤلهم بعمق؛ هل كذب إدعمار ومجلسه على المواطنين في بلاغاتهم، وتم الاستهتار بصحة المواطنين وسلامتهم إلى هذا الحد؟ أم أن الأزمة بها نقط معتمة يجب تسليط الضوء عليها من طرف المؤسسات المختصة بفتح تحقيق شامل والتسريع بخروج نتائجه لطمأنة الناس في هذا الموضوع الحساس جدا والمرتبط بالأمن العام؟
وأضاف المتحدث ذاته، أن أفراد أسرته ومجموعة من الجيران، توقفوا منذ مساء الخميس الماضي عن شرب مياه الصنبور واستهلاكها بشكل نهائي، حيث يعتمدون فقط على مياه الينابيع التي يجلبها صاحب دراجة نارية مقابل مبالغ مالية تكلف ميزانيته الكثير باعتباره متقاعدا عن العمل ويتحمل مسؤوليات متعددة.
واستغرب المتحدث نفسه صمت تحالف الوفاء في الموضوع بعد كشف نتائج تحليل المختبر الإسباني، وعدم خروجه للحديث إلى المواطنين كما في المرحلة السابقة التي ظل يؤكد فيها بشكل يومي على أن المياه صالحة للشرب ولا ضرر فيها على صحة المواطن.
وعبر شاب ثلاثيني يسكن حي جامع المزواق العشوائي عن غضبه من استمرار أزمة الماء وتخبط المسؤولين في تصريحاتهم المتناقضة، مشددا على أن جلب المياه من الينابيع يثقل كاهل الأسر الفقيرة والمعوزة لأنها لا تتوفر على المواصلات الضرورية وتضطر إلى كراء سيارات «هوندا» أو دراجات نارية «طريبورتور» من أجل جلب المياه ما يرهق ميزانيتها التي تعاني من الأصل.
وأضاف المتحدث نفسه، أن اللون الغريب الذي ظهر مجددا على المياه بحي جبل درسة الأربعاء الماضي، وتم تداوله بشكل واسع من خلال المواقع الاجتماعية بواسطة فيديوهات، زاد من نسبة عدم الثقة لدى السكان قبل أن تظهر نتائج المختبر الإسباني التي عمقت الأزمة، وشكلت صدمة للجميع في انتظار ما ستكشف عنه المصالح المسؤولة بمختبر الدرك الملكي.
وطالب العديد من سكان الأحياء التي زارتها الجريدة خلال مباشرتها التحقيق في الموضوع، المجلس البلدي بضرورة الخروج من أجل التوضيح والرد على نتائج المختبر الإسباني تفاديا لتناسل الإشاعات التي تسبب فيها اختيار تحالف الوفاء الصمت خلال المستجد الأخير، ما يخالف الإلتزامات والوعود الانتخابية التي تلقوها من حزب العدالة والتنمية الذي فاز بأغلبية الأصوات ويرأس المجلس بالوقوف إلى جانب السكان في جميع الأحوال ومدهم بالمعلومات التي تهم الرأي العام بتفصيل عندما يتطلب الأمر ذلك.

تصريحات متناقضة
من بين العوامل التي ساهمت في تعقيد أزمة مياه الشرب بتطوان وتضرر الثقة بين المواطن والمؤسسات، تضارب التصريحات بين أعضاء ما سمي بتحالف الوفاء وخروج مستشار عن حزب الاستقلال ليكشف أن سبب الطعم الغريب والرائحة الكريهة التي أثارت استياء المواطنين وتذمرهم سببه تغيير نقطة التزود ونقلها من سد آسمير نحو سد النخلة، دون صيانة القنوات التي لم تعمل لمدة طويلة، فضلا عن خلل تقني بالمحطة القديمة.
وأضاف المستشار والفاعل الجمعوي نفسه، أن المكتب الوطني رفض أخذ عينات من مياه المحطة من طرف المختبر الجماعي للقيام بالتحليلات الضرورية، وهو ما لم تكشفه بلاغات المجلس أو تتحدث عن تفاصيله، ما يطرح أكثر من علامة استفهام.
وقال فاعل جمعوي إن تواصل المجلس في موضوع أزمة المياه، شابته الضبابية والعشوائية وعدم التنسيق، ويظهر ذلك من خلال مواصلته إصدار البلاغات المتتالية التي تؤكد جودة المياه وصلاحيتها للشرب والاستهلاك، رغم استمرار الطعم الغريب والرائحة الكريهة التي يستحيل معها شرب المياه من طرف المواطنين أو حتى استعمالها في الطبخ وإعداد الشاي مثلا.
وأضاف المتحدث ذاته، أنه في مثل هذه الحالات الحساسة والمتعلقة بصحة المواطنين وسلامتهم، كان على إدعمار ومجلسه التريث في إصدار البلاغات التي لا تستند إلى المقومات العلمية الضرورية، والمسارعة إلى طلب مساعدة مختبر الدرك الملكي أو غيره من المختبرات المعتمدة داخل الوطن للتأكد من جودة المياه، مع تنبيه المواطنين إلى ضرورة أخذ الاحتياط الواجب في انتظار قطع الشك باليقين.
استياء المعارضة
عبرت معارضة مجلس تطوان، عن استيائها من الطريقة التي تم بها تدبير ملف أزمة مياه الشرب دون إشراكها في القرارات المتخذة، أوالتشاور معها من أجل اقتراح الحلول المناسبة والمستعجلة خاصة والأمر يتعلق بقطاع حساس جدا ويرتبط بصحة المواطنين وسلامتهم التي لا تتطلب الانتظار أو السكوت. وصرح كمال مهدي، المستشار عن فريق الاتحاد الاشتراكي بالمعارضة أن بلاغات الجماعة في موضوع الطعم الغريب والرائحة الكريهة بمياه الشرب لم تكن دقيقة، وأن إدعمار ومجلسه كذبوا على الناس، لأنهم لم يعززوا بلاغاتهم بتقارير علمية مفصلة كالتي جاءت في التقريرين الصادرين عن مختبر دولي معترف به لدى الاتحاد الأوربي، منبها المتحدث ذاته الى أن مختبر الجماعة لا يتوفر على أبسط المقومات التي تؤهله للقيام بالتحاليل الضرورية وبناء بلاغات للعموم على إثرها.
وأضاف المتحدث نفسه، أن إدعمار استهان بالأمر رغم حساسيته وسارع إلى طمأنة السكان دون الأخذ بعين الاعتبار ضرورة التريث من أجل التأكد من عدم وجود خطر على صحة المواطنين، لأنه يتحمل مسؤولية تمثيلهم والوقوف إلى جانبهم، عوض إصدار البلاغات المتسرعة في موضوع حساس ودقيق.
وفي جوابه عن سؤال «الأخبار» حول الخطوات التي يعتزم الفريق القيام بها بعد هذا المستجد الصادم للسكان، قال المحامي والمستشار، كمال مهدي إن فريق الاتحاد الاشتراكي طلب من إدعمار تكوين لجنة تتبع بشكل مستعجل، من أجل القيام بجميع الإجراءات القانونية والتقنية لوقف كل ما يمكنه أن يضر أو يمس بصحة المواطنين، مع التأكيد على إلزام رئيس الجماعة بالكشف عن نتائج عمل اللجنة إلى العموم في أقرب وقت ممكن، تفاديا لتناسل الإشاعات والضرر السلبي جدا الذي تحدثه على العلاقة والثقة بين المواطن والمؤسسات.
وقال مصدر ثان من المعارضة إن ملف أزمة مياه الشرب بتطوان لازالت تشوبه بعض النقط الملتبسة وغير الواضحة، منها ما جاء في بلاغ لجمعية المحامين الشباب أن أحد الخبراء المحلفين الذي كلفته المحكمة الابتدائية بإجراء خبرة ومدها بالنتائج ليطلع عليها عموم المواطنين، قد قدم اعتذاره عن استكمال عمله والمهمة التي كلف بها في ظروف غامضة ودون تقديم أي مبرر. ما يزيد من الشكوك ويطرح علامات استفهام متعددة في انتظار نتائج مختبر الدرك الملكي الذي باشر المهمة وسيضع في القريب العاجل نتائجها بين يدي رئيس المحكمة الابتدائية بتطوان ليطلع عليها الرأي العام.

أصل الأزمة
قالت مصادر مطلعة، إن أصل أزمة مياه الشرب التي عرفتها تطوان أخيرا، سببه تبذير الجماعة لمياه الشرب واستعمالها لسقي المساحات الخضراء الشاسعة ما يكلف ميزانية باهظة، تدفع لشركة «أمانديس» حسب الاستهلاك، فضلا عن استخدام نفس المياه بالمرافق الخاصة بالمناطق السياحية من حدائق ومسابح بمختلف الأحجام إلى غير ذلك.
وأضافت المصادر ذاتها، أن لجوء المكتب الوطني لتزويد المدينة من سد النخلة عوض سد آسمير الذي قيل إنه عرف انخفاضا كبيرا على مستوى مخزونه من المياه بسبب قلة الأمطار، هو معطى غير دقيق بدليل أن سنوات 2001 و2002 و2003عرفت تساقطات أقل من المعدل المسجل هذه السنة بتطوان، ومع ذلك لم يتم اللجوء إلى التزود من سد آخر غير سد آسمير.
وكشفت المصادر نفسها، أن السبب الحقيقي والخطير الذي أخفاه تحالف إدعمار، وكان وراء اللجوء إلى سد النخلة لجلب المياه هو اعتماد الجماعة خلال السبع سنوات الأخيرة على مياه الشرب لسقي المساحات الخضراء بشكل مسرف يهدد الأمن المائي للمواطن التطواني، ويتطلب تدخلا عاجلا لمعالجة الموضوع من طرف الجهات المسؤولة.
وقال أحد المهتمين أنه آن الأوان للتفكير بشكل جدي في التوقف عن تبذير مياه الشرب واستعمالها في السقي والمسابح. منبها إلى أن المجلس لم يصارح المواطن بحقيقة الأوضاع التي تعيشها المدينة ويحاول تدبير الأمر الواقع ليس إلا، في غياب الحلول البديلة للعديد من المشاكل التي تغرق فيها تطوان وتهدد مستقبلها، ومنها كارثة سقي المساحات الخضراء بالماء الصالح للشرب الذي يستنزف الثروة المائية ويكلف البلدية ميزانية ضخمة سنويا يمكن استثمارها في مجالات آخرى تساهم في تنمية اقتصاد المدينة.
وأضاف المتحدث نفسه، أنه في حال استمر الوضع على ما هو عليه، وانضاف عامل ضعف التساقطات المطرية، فان سكان المدينة سيعانون الأمرين، ويمكن أن تضطر الجهات المسؤولة إلى قطع الماء لمدة محددة كل يوم لتدارك الأزمة.
من جهته قال مصدر من الأغلبية، إن المجلس يفكر في مشروع تعويض سقي المساحات الخضراء بمياه الأبار عوض المياه الصالحة للشرب وتنفيذه في أقرب وقت ممكن، مشددا على أن بعض الإكراهات تواجه خروج المشروع إلى الوجود، لكن سيتم التغلب عليها لمعالجة هذا الموضوع ذي الأهمية البالغة والمرتبط بالماء كمادة حيوية يجب الحفاظ عليها من أجل مستقبل الوطن.

المياه صالحة
صرح مسؤول قسم الإعلام بشركة أمانديس لـ«الأخبار» أن المياه التي توزعها الشركة على المواطنين بتطوان والنواحي صالحة للشرب والاستعمال بناء على معلومات عملية دقيقة، مشددا على أن القطاع يخضع لمراقبة صارمة ومستمرة من طرف المصالح المسؤولة لارتباطه بصحة المواطنين التي لا تتطلب العبث أو الاستهتار.
وأضاف المتحدث نفسه، أن المختبر الإسباني الذي كشف عن نتائج التحليل الذي أجراه على عينة من مياه الصنابير بتطوان وقال إنها لا تستوفي الشروط والمعايير الضرورية اعتمد في ذلك على الظهير الملكي الخاص بالدولة الإسبانية والمعايير التي تعتمدها، فضلا على أن إرسال عينة من المياه نحو الخارج يتطلب القيام بمجموعة من الاحتياطات الدقيقة من طرف مختصين في المجال، وعدم تجاوز مدة زمنية محددة تصل فيها العينة إلى المختبر حتى وإن توفرت القنينة المعقمة، لأن مجرد لمس الماء أو تعرض القنينة لبعض المؤثرات البسيطة جدا يؤثر في النتائج.
وكشف المسؤول نفسه، أن تقرير المختبر الإسباني الذي لا يتوفر على الصفة الدولية، تحدث عن وجود بكتيريا بمياه الشرب، لكنه لم يعمل على تسميتها أو تحديد صنفها، مشددا على أن البكتيريا التي تسبب الأمراض والأوبئة لا توجد بالمياه، حسب تحليل المختبر الإسباني نفسه، وقد أشير إليها برقم صفر أمام الجدول الخاص بها.
وفي جوابه عن سؤال الجريدة حول تفسير الفيديوهات التي توصلت بها وتثبت اختلاط مياه الصنابير بما يشبه التراب، قال مسؤول قسم الاعلام بـ«أمانديس» إن ذلك يرجع إلى بعض الإصلاحات التي تقوم بها مصالح الشركة على شبكة المياه عندما يحدث هناك خلل أو تسرب ما، مضيفا أن الحالة ناذرا ما تحدث وإذا حدثت لا تستمر أكثر من دقائق قبل عودة المياه إلى طبيعتها.
وأشار نفس المسؤول، إلى أن هناك مختبرات معتمدة بالمغرب لها من الكفاءة والمعدات ما يؤهلها لإجراء مثل هذه التحاليل، فضلا عن صرامة الضوابط القانونية في المجال ومعاقبة كل مسؤول يتهاون في مراقبة قطاع حساس كالماء بثمان سنوات سجنا نافذا.
هذا ويستمر سكان تطوان في الاعتماد على مياه الينابيع وشراء المياه المعدنية، وسط تصريحات متضاربة ومتناقضة للمسؤولين في انتظار حسم مختبر الدرك الملكي في الموضوع بشكل مفصل ونهائي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى