تنبيه: هذا العمود كتب ساعات قبل صدور الحكم في قضية سعد لمجرد.
من سوء حظ سعد لمجرد أن الخبر اليومي في جميع النشرات الفرنسية هو الحادثة الخطيرة التي تسبب فيها الكوميدي الفرنسي الشهير بيير بالماد تحت تأثير مخدر الكوكايين لعائلة كاملة.
وعندما اعترف لمجرد بتعاطيه الكوكايين ليلة وقوع الحادثة التي بسببها يتابع أمام القضاء الفرنسي يكون قد منح الرأي العام الفرنسي وهيئة المحلفين الذين ليسوا سوى جزء من هذا الرأي العام سببا كافيا لإدانته.
واضح أن القضاء سيكون صارما مع الكوميدي الفرنسي بالماد الذي كان الكوكايين وراء الكارثة التي اقترف. وإذا كان القضاء سيتعامل بصرامة مع أحد أبناء الجمهورية الأكثر شهرة فكيف سيكون متساهلا مع فنان مغربي اعترف بدوره بتعاطيه الكوكايين ليلة الواقعة؟
إن الإدانة شيء وارد لا غبار عليه، بكم ستحكم المحكمة؟ هذا هو السؤال.
إن إخراج ملف لمجرد في هذا التوقيت بالذات الذي يحتل فيه الحديث عن الكوارث الاجتماعية التي يتسبب فيها مخدر الكوكايين لم يكن اعتباطيا، بل هو توقيت مدروس.
أضف إلى ذلك العلاقات المكهربة بين الرباط وباريس، حيث تم طرد مقدم تلفزيوني مشهور من عمله في فرنسا لمجرد تلفظه بكلمة الصحراء المغربية. ولذلك فالرأي العام الفرنسي محتاج لنصب مشانق وقطع رؤوس، خصوصا في هذه الفترة العصيبة التي يجتازها الاقتصاد الفرنسي.
ولذلك انتفض دفاع لمجرد عندما طالب المدعي العام بسبع سنوات سجنا لموكله متحدثا عن ضرورة إبعاد هذا الملف عن السياسة وعدم استعماله لبعث رسائل سياسية.
ورغم أن القضاء في فرنسا مستقل عن وزارة العدل فسيكون من مكر الصدف أن يتم الحكم على لمجرد بالإدانة، طالما أنه اعترف بتعاطي الكوكايين وبممارسة العنف ضد المشتكية، في ظل وجود وزير للعدل كان محاميا يدافع عن لمجرد في المراحل الأولى لقضية اغتصاب مشابهة لهاته. وكان المحامي الملقب بالوحش قد سحب نيابته عن لمجرد بسبب ما اعتبره عدم التزام موكله بنصائحه، خصوصا التقليل من الظهور وتوقيف “نشاطه” إلى غاية نهاية المحاكمة.
لقد فوت لمجرد على نفسه فرصة متابعة علاج نفسي لحالته منذ تورط في قضية اغتصاب في أمريكا حيث بدأ حياته نادلا في فندق قبل أن يلمع نجمه في سهرات الخليجيين الخاصة هناك، ثم عندما تورط في قضية الاغتصاب الأولى بفرنسا، فمنذ تلك الواقعة ظهر أن السيد لديه انفصام في الشخصية. ومثل كل الذين يعانون من هذه المشكلة فالكحول والمخدرات هما آخر شيء يجب أن يقترب منه. وهذا الانفصام ظهر حتى في أغانيه الذكورية التي يمجد فيها نفسه دائما على حساب المرأة التي يصورها دائما كمخادعة وماكرة ووصولية، وعملا بنصيحة والدته فهو لا يربي الكبدة على أية امرأة، فهو صياد، يصيب طريدته وينطلق للبحث عن الطريدة الموالية.
ولذلك فعندما انهار باكيا وقال أمام المحكمة قبل يومين إنه يحترم المرأة، فإننا نتساءل عن أي نوع من النساء يتحدث، هل تلك التي في أغنية “عدا الكلام”، والتي يصفها ب”تضحكي لي وتاخدي كام”، والتي يفهم منها تقديم “خدمة” بمقابل مادي، أم تلك التي في أغنية “أنا ماشي ساهل” والتي تحكي عن علاقة رجل بامرأة ترفض أفكاره وقناعاته فيباغتها بهجوم على معتقداتها وأفكارها امتد لاتهامها بالخداع والخيانة واصفا من يقبل ذلك بنقص في الرجولة. أم تلك المرأة التي في أغنية “نجيبك نجيبك” التي يتحدث فيها عن نفسه كصياد مفترس مصورا المرأة كطريدة مخاطبا إياها: “تهرب تبعد لبعيد طير.. أو تنزل قريب نصيبك”.
سعد لمجرد هو مثل أغلب المغاربة، منفصم الشخصية، فهو يصلي ويرتل القرآن ويشرب وينفح وينصح الشباب في أغانيه ويقترف الحماقات.
وهكذا هم أغلب المغاربة، خجولون عندما يكونون في وضع طبيعي وبمجرد ما يسكرون يخرج منهم العجب العجاب ويفر من داخلهم شخص آخر عدواني ومنحرف.
«شفت فالشعوب حتى عييت وعمرني ما شفت شي شعب بحال ديالنا، الناس برا كيشربو ويضحكو ويفرقو الجقلة بلا مشاكيل، ودياولنا ملي يسكرو خصهم يضاربو فالبار وملي يدخلو للدار يخليو دار بو عيالاتهم، وإلى مكانوش مزوجين يهزو خرشاشاتهم ويدورو فالزناقي يبسلو على عيالات عباد الله، وباش يكملوها يديرو كسيدة ويخرجو على عائلات بريئة».
ودائما ما أميل إلى التفسير البسيكولوجي لفهم ما يحدث، لأنني مقتنع بأن المغربي عموما لديه مشكل مع السلطة، بمجرد ما يصبح مسؤولا أو نجما مشهورا، ولو من درجة تافهة، يتحول إلى دكتاتور صغير ويستغل منصبه وسلطته وشهرته في الشطط.
الدرس الذي يجب أن يستخلصه المشاهير من قضية لمجرد هو أن شهرتهم بقدر ما توفر لهم من وجاهة ونفوذ وثروة فإنها تصبح أيضا ظرف تشديد عندما يتورطون في خرق القانون.