سطحية المعارضة
كل حكومة ناجحة تحتاج إلى السير على رجلين واحدة لتحمل المسؤولية الكاملة في القرارات الاستراتيجية والثانية للمعارضة وضمان التوازن وعدم التغول، لذلك منح الدستور المغربي مكانة خاصة للمعارضة ومكنها من كل المقومات التي تخولها ممارسة مهامها بحرية، في إطار التداول السلس على السلطة، والاحتكام إلى الديمقراطية والقانون، في كل الخلافات أو تباين مشاريع الإصلاح والتنمية.
مصيبتنا في البلاد ضعف برامج المعارضة وتسطيح النقاش العمومي، من خلال ربطه بالأشخاص عوض مناقشة الأرقام العصية على التلاعب والتكذيب، ومحاولة البعض تمييع كل شيء باحتراف الشعبوية والخلط بين الشخص والمشروع السياسي الحزبي أو الحكومي، والتنقيب عن القضايا الشخصية الخاصة جدا عوض الغور في دهاليز صرف المال العام، خاصة عندما يكون المسؤول المعني لا يزعم الملائكية ولا يزايد في الطهرانية الذاتية.
مطالبتنا بحكومة قوية لن يكون بمعارضة ضعيفة وغير منسجمة، زعماؤها يتقلبون حسب هواهم ويتخبطون في رهانات الحسابات الصغيرة الغارقة في النرجسية، عوض نكران الذات والاجتهاد في طرح البدائل الحقيقية التي يمكنها إحراج الحكومة ودفعها للعمل ليل نهار لتنزيل الوعود الانتخابية، وفصول الميزانية العامة، لأنها تعلم بأن من يراقبها يملك من الكفاءة والفاعلية ما يجعلها تسير عارية أمام الرأي العام في حال الفشل في تدبير الأزمات وتنزيل وعود التنمية والتشغيل.
يجب التفريق جيدا بين الشخص والمسؤولية التي يتحملها، وأن يتم التركيز على المسؤولية وتتبعها لأن ذلك هو السبيل الوحيد لتجويد الخدمات وخدمة المواطنين، على عكس ممارسة المعارضة بالسب والقذف وتوزيع الاتهامات بشكل عام، في غياب التدقيق في الملفات والكشف عن الأرقام، وغياب ممارسة الحق الدستوري في التوجه لمؤسسات الرقابة والإعلام والتصريحات الرزينة المبنية على أرقام قد تكون مدخلا حقيقيا حتى للسلطات القضائية لفتح تحقيق وترتيب المسؤوليات لربطها بالمحاسبة.
إن المعارضة الحقيقية لاشك أنها ترفع من مستوى الأداء الحكومي، وتعمل على توجيه الرأي العام للبحث في طرق صرف المال العام والصفقات العمومية، وتحريك مؤسسات الرقابة لتقوم بدورها كاملا، وإحراج الوزراء ورئاسة الحكومة، ما يحقق هدف اليقظة الدائمة وعدم الإحساس بالأمان بالنسبة لتحمل المسؤولية والجلوس على الكرسي، وبذل مجهودات جبارة للاستمرار في السلطة، مقابل سعي المعارضة إليها وفق القواعد الديمقراطية المعروفة عالميا.
علينا أن نكون منصفين بالقول إن من يتحمل المسؤولية يجب أن يكون المثل في احترام القانون، والالتزام بالأخلاق الحميدة والوفاء بالوعود، لكن هذا لا يفتح المجال لتتجرد بعض الأصوات المعارضة من أدنى معايير الأخلاقيات وتختزل المعارضة في السب والقذف والاستغراق في الانطباعات عوض طرح المؤشرات، وهو الشيء الذي ينفر الشباب من الممارسة السياسية عوض انخراطه في بناء مستقبل الوطن.