سر العميل الذي دافع عنه الجنرالات وارتبط اسمه بمقتل بوضياف
يونس جنوحي
عاد بوضياف، إذن، إلى الجزائر، قادما إليها من المغرب، بعد خمسة أيام من الغياب..، لكنه عاد رجلا آخر.. رئيسا للبلاد لديه معلومات دقيقة جدا عن تورط الجنرالات المحيطين به بل والمقربين منه، في الاتجار بالسلاح وجرائم ضد الإنسانية.
معلومات قدمها له الملك الراحل الحسن الثاني، وفرتها المخابرات المغربية، بحكم أن هؤلاء الجنرالات كانوا يتاجرون في السلاح ويقدمون مساعدات وصفقات تفضيلية لعناصر البوليساريو المعادية للمغرب في الصحراء.
الحاج بطو
أشارت التقارير التي اطلع عليها بوضياف، عندما كان في المغرب لحضور حفل زفاف ابنه، إلى تورط شخص اسمه الحاج بطو في عمليات قذرة جدا تراوحت بين الاتجار في السلاح وفي مواد التموين التي يستهلكها الجزائريون، حيث إنه راكم ثروة بالعملة الصعبة، وهرب أمواله إلى الخارج.
يقول هشام عبود إن اسم الحاج بطو راج في الجزائر على اعتبار أنه من الأسماء المتورطة والبارزة في حادث اغتيال بوضياف.
وكان واضحا أن لديه دوافع لاغتيال الرئيس ما دام اسمه على رأس قائمة «الفاسدين» الذين أراد بوضياف محاربتهم. لكنه في الحقيقة لم يكن سوى قناة توصل إلى أعلى الهرم. تحديدا إلى خالد نزار ومن معه.
يشير هشام عبود، أيضا، إلى أن الجنرال نزار قلل، في مذكراته، من شأن الحاج بطو وحاول التستر على أدواره الحقيقية. ويتساءل عبود هنا عن السر وراء المحاكمة التي نظمت له لطي الملف بعد اغتيال بوضياف، إذ كانت محاكمة باهتة في الوقت الذي كان منتظرا أن تكون محاكمة عسكرية مشددة نظرا لجسامة التهم التي لاحقته. لكن لا شيء من هذا كله وقع.
نحو المأساة
كانت خيوط مأساة اغتيال بوضياف قد بدأت تتشكل. شعبيته تزداد شيئا فشيئا وسط الجزائريين. حربه ضد الجنرالات تزداد اتساعا. ولا يزال إلى اليوم عدد من المعارضين ينظرون إلى بوضياف باعتباره الرجل الوحيد في تاريخ الجزائر الذي وقف في وجه الجيش وكان يدرك جيدا أن تلك الحرب قد تكلفه حياته رغم أنه رئيس جمهورية يحظى بدعم دول جارة وصديقة.
يصف عبود هذه الأجواء: «بالنسبة للجنرالات المافيا، الوضع أصبح صعبا جدا. ولم يعد بوسعهم ترك الرئيس بوضياف يتحرك بحرية بعد الآن».
في ظرف ستة أشهر، كان عليهم إيجاد حل لمشكلة بوضياف وقطع الطريق عليه في محاولاته المتلاحقة لتطويقهم وإعادتهم إلى الثكنات، مكانهم الطبيعي، بدل تسيير اقتصاد البلاد والتحكم في الأجهزة الأمنية المدنية وحتى في الحياة السياسية.
وما زاد من تأزيم وضع الجنرالات أن بوضياف قرر القيام بجولة في جنوب البلاد، أي أنه أراد الوقوف على المواقع في المنطقة الجنوبية، وهي الأراضي التي لم يكن أي رئيس جزائري يقوى على الوصول إليها، بحكم أنها منطقة عمليات للجيش، حيث يتم تهريب السلاح وبيعه وتفكيكه أيضا، وهي ممارسات كانت تتم على طريقة العصابات.
بل إن بوضياف كان يخطط بعد تلك الجولة لزيارة أخرى إلى منطقة الشرق الجزائري، أي الحدود الليبية والتونسية.
انتقل بوضياف إلى مدينة عنابة يوم 29 يونيو 1992، أي بعد ستة أشهر على وصوله إلى السلطة، وكان الجنرالات يجتمعون يوميا بشكل سري للبت في مخططات كبح بوضياف، بينما كلهم كانوا يريدون تجميده وليس كبحه فقط. يقول هشام عبود وهو يصف هذه الأجواء: «بوضياف سوف يزور عنابة في التاسع والعشرين من يونيو، بدون وزير الداخلية العربي بلخير. وسوف يلتقي الولاة الذين يقعون تحت سلطة الوزير. من سوف يقدمهم له؟ من سوف يقدم له المعلومات التي يحتاجها رئيس الدولة عن الجهة خلال هذا النوع من الزيارات؟». كان غياب وزير الداخلية يطرح أكثر من سؤال.