سرطان الأسعار
لا حديث اليوم، في المقاهي وحول موائد ومناسبات المغاربة، سوى عن قضية ارتفاع الأسعار، فالكل يتحدث عن موجة الغلاء، من موقعه الاجتماعي ومستواه العلمي وأفكاره السياسية والإيديولوجية. والبعض بدأ في الاستثمار السياسي في الموضوع، لتحقيق أهدافه المشروعة وغير المشروعة، مع أن الجميع بدون استثناء يعلمون أن غلاء الأسعار الذي طال أغلب السلع والخدمات، ظاهرة عالمية مستوردة في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات التضخم عالميا، نتيجة ارتباك سلاسل الإمداد، كنتيجة لجائحة كورونا العالمية وإنهاكها للاقتصاد العالمي، خلال ثلاث سنوات متواصلة، دون أن ننسى التقلبات المناخية التي لا تستقر على حال.
ليست هذه المرة الأولى التي تتعرض فيها أسعار النفط والمواد الغذائية والأساسية لقفزة رهيبة، من شأنها أن تهدد اقتصادنا الوطني، وتضعه على المحك. وبلا شك فإن صدمات الأسعار المستوردة سيشعر بها الجميع في كافة أنحاء المغرب، وستنهك قدرتهم الشرائية والمعيشية؛ لذا يتعين على السلطات الحكومية تركيز مجهوداتها وأولوياتها على تقديم الدعم المالي للأسر الفقيرة والطبقة الهشة، التي يُشكل الغذاء والنقل النسبة الأكبر من نفقاتها.
فلم يعد السؤال الأهم بالنسبة إلى المواطن، عن احتمال توقف قطار الزيادات الجنونية للأسعار، خاصة لسلع وخدمات رئيسية، مثل الحبوب والبنزين والمواد الأولية الأساسية والسلع غير المدعمة، التي يستخدمها المواطن بصورة يومية. ولربما في المستقبل قد تصل يد الغلاء إلى أسعار الكهرباء والمياه وغيرهما. لقد بات السؤال بالنسبة إلى المواطن، هو متى ستتدخل الحكومة لوقف النزيف الخارج عن إرادتها؟ والهاجس الأهم يتجلى في مدى قدرة المواطن على تحمل كل هذه الزيادات القياسية في الأسعار، خصوصا وأن التوقعات تؤكد أن تصل نسبة التضخم إلى أكثر من 4 في المائة، ويسقط معدل النمو إلى ما تحت 1 في المائة، وهو ما سيكون له انعكاس اجتماعي سلبي، سيما في ظل تدني مستوى الأجور، مما سيقود إلى اهتراء القدرة الشرائية، وتقلص الطبقة الوسطى، وارتفاع نسبة الفقر، مما قد يؤدي إلى مخاطر اجتماعية جدية.
ولا أحد من العقلاء قد يتهم الحكومة بالضلوع وراء القفزة الرهيبة للأسعار، التي بدأت ملامحها الأولى منذ شهر يناير من السنة الماضية، لكن هذا لا يعفيها من مسؤوليتها الأولى والأخيرة في حماية المستهلك، وتحصين قدرته الشرائية ضد قانون العرض والطلب، الذي لا يرحم الضعيف، خصوصا وأنه لا تبدو في الأفق المنظور مؤشرات عن تراجع الأسعار، بل بالعكس ستظل الأثمان مرتفعة فترة ليست بالقصيرة، حتى استقرارها بعد سنوات، مع توقعات ضئيلة باحتمال تراجع الأسعار مرة أخرى إلى سابق عهدها.
على الحكومة أن تدرك جيدا أن معركتها الحقيقية اليوم، في ظل الظروف غير الطبيعية التي نعيشها، هي محاربة المنحنى التصاعدي للأسعار، لكي لا يتضخم سرطان الغلاء الذي يؤثر بصورة مباشرة على حياة الناس، سيما على مزاجهم الاجتماعي ويدفعهم إلى الاحتجاج والتعبير عن الغضب بأي طريقة، وهنا بالضبط يسكن شيطان عدم الاستقرار.