شوف تشوف

الرأي

سراح مؤقت

حسن البصري

سنخرج «مثنى مثنى»، لنكسر حجرا صحيا اضطراريا دام طويلا. سنركض كالأطفال في الأزقة ونحن نردد أنشودة «هيا هيا نجري جريا». سنتخلص من القلق الذي سكننا ونحتفل بإطلاق سراحنا، ونفرح دون أن نخشى مصادرة الفرح بمداهمة عون سلطة. ستنسحب من ترسانة الإدانة تهمة «كسر الحجر الصحي»، وسنعود إلى بيوتنا دون أن نراقب عقارب ساعاتنا.
زفت لنا الحكومة خبر افتتاح دور العرض والمكتبات، وفتحت أقفال المسارح وقاعات الأفراح، ومكنتنا من ارتياد الشواطئ وملامسة الرمال والسباحة على الصدر. لكنها كتبت عبارة «المقاعد محدودة»، احتراما لمبدأ «نص نص»، وإعمالا لقرار خمسين في المائة من الطاقة الاستيعابية.
قد نحتاج إلى وقت طويل كي نستعيد حيويتنا ونعيد ترتيب مشيتنا ونمارس حياتنا العادية، دون أن نصاب بتشنج عضلي من فرط ضعف التنافسية الذي لازمنا، لكننا سنقلب صفحة الغم والهم والآهات، ونعيد ترتيب أولوياتنا من جديد.
تتساءل عشيرة الكرة عن نصيب اللعبة الأكثر شعبية من بلاغ الإفراج، وتقاطرت على مقر الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بلاغات الهيئات الإعلامية الرياضية، مطالبة بعودة الصحافيين إلى منصاتهم، وعلى مكتب الضبط بمديرية الاتصال عشرات الملتمسات من أجل عودة المصورين إلى قواعدهم، بعدما تسلل الصدأ إلى عدساتهم.
رفعت جمعيات الأنصار والمحبين طلبات إلى من يهمهم الأمر، أملا في الحصول على عفو جزئي أو شامل، رددت مع فيروز بكورال جماعي: «سنرجع يوما إلى حينا ونغرق في دافئات المنى»، لكن بلاغ الحكومة سكت عن الكرة.
في فرنسا، قامت الحكومة بـ«بروفة» لقياس وصفة العودة التدريجية إلى الحياة الطبيعية، حيث شارك خمسة آلاف شخص يضعون الكمامات في حفل لمجموعة الروك الفرنسية «أندوشين». كانت الغاية من الحفل معرفة مضاعفات التجمع، ودوره في انتشار العدوى بين الجمهور.
لكن يبدو أن فتح مدرجات الملاعب أمام الجمهور، وفق التدابير الاحترازية، سيطرح ثلاثة إشكاليات، أولها تحديد العدد وثانيها اختيار المتفرج المحتمل، وثالثها سن تسعيرة الفرجة للعائدين إلى الملاعب، على غرار بعض التجارب السابقة التي اشترطت بطاقة التلقيح وقلصت ثمن التذاكر للأشخاص المطعمين.
من خلال قراءة متأنية في بلاغ فاتح يونيو، تنتصب أمامنا العديد من علامات الاستفهام، حول إمكانية تطبيق قانون «نص نص»، وكيف تمكن إعادة الجمهور إلى المدرجات، وبأي شروط احترازية؟ ثم أليس من باب أولى استكمال نظام «الويكلو» إلى ما بعد حصول المناعة الجماعية تفاديا لكارثة وبائية، حينها لا ينفع ترديد «في بلادي ظلموني».
صحيح أن بلاغ فاتح يونيو قد أخذ بعين الاعتبار النتائج الإيجابية المسجلة في منحى الإصابة بفيروس كورونا المستجد، والتقدم الملموس في الحملة الوطنية للتلقيح، لكن القراءات السبع قد تجعلنا نعتقد أن السراح المؤقت قد يعفينا من الالتزام بالتدابير الاحترازية المعلن عنها، من تباعد جسدي، وقواعد النظافة العامة، وإلزامية ارتداء الكمامات الواقية.
العودة التدريجية إلى الحياة الخاصة وفتح القاعات والملاعب، يفرضان علينا تذكير رؤساء الفرق بجموع عامة لم تعقد بداعي الوباء، لقد آن الأوان اليوم لإشعار رؤساء الفرق والعصب والجامعات بدين سابق، اسمه جمع عام سقط بالتثاؤب.
من حسنات الوضعية الوبائية لدى المسيرين حصولهم على تسهيلات في تقديم الحساب الأدبي والمالي، حتى الذين عقدوا جموعهم العامة في زمن كورونا عن بعد وصادقوا على الأرقام الفلكية عن بعد وجددوا الثقة في أنفسهم عن بعد، لا ينكرون فضل الوباء عليهم، فشكرا لتقنية «زووم» التي جنبتهم الأسئلة الحارقة، وحالت دون مواجهتهم للمعارضة، ومددت عمرهم الافتراضي على كرسي السلطة.
رجاء لا تعتقدوا أن السراح المؤقت هو إفراج نهائي وحصول على البراءة التامة، لكن لا بأس من استخلاص الدروس والعبر من وباء حرمنا من أعز الناس، والاستمرار في التقيد بالضوابط الاحترازية، حتى لا نقف عند ناصية الطريق ونودع جائحة كورونا الوداع الأخير. لكن هل سنشيعها حقا، أم سنقول لها إلى اللقاء؟
الكرة في ملعبنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى