شوف تشوف

الرأي

 سحر إفريقي

 

حسن البصري

في دوالا أو كوماسي أو نيامي أو كوتونو أو لومي، وغيرها من المدن التي رافقت فيها البعثات الرياضية المغربية، لا بد أن يتردد على مقر إقامة الفرق والمنتخبات المغربية زوار استثنائيون دجالون وسحرة، منهم من يعرض خدماته على المسؤولين، ومنهم من يحضر للفندق في مهمة سرية ويقدم نفسه وكيلا أو صحافيا أو عاشقا متيما بحب الفريق.

سحرة الكرة ودجالوها يختلفون عن باقي السحرة والمشعوذين، فهم لا يفكون عقال تجارة طالها الكساد، ولا يطلقون سراح عريس أو عروس، ولا تدخل الوظائف وتأشيرات دول المهجر ضمن اختصاصاتهم، إنهم فئة «تخصص» كرة، أو بتعبير أوضح مهمتهم تغيير نتائج مباريات الكرة، وجلب السعد وتفادي الانكسار.

في مدينة دوالا، العاصمة الاقتصادية للكاميرون، سوق غريب لا مثيل له في العالم، تباع فيه كل لوازم الدجل. هناك يمكن أن تعثر على ضرس تمساح وجمجمة فرس النهر، وريش الغراب وشعر يتامى الفئران وأظافر أسد انتهى به العمر أسيرا عند القردة.

صحيح أن زنقة العراكات في سوق «الجميعة»، بدرب السلطان بالدار البيضاء، تعد فضاء للتسوق يتردد عليه الراغبون في ترميم ما أفسده «القهر»، لكنه لا يصل إلى حجم أسواق بعض المدن الإفريقية، ولا يتردد عليه سحرة الكرة، وبضاعته لا تتجاوز جلود وأسنان الحيوانات والأعشاب اليابسة.

هذه الفضاءات تستقطب عشرات اللاهثين حول وهم علاج يقاوم تصدع النفس، رغم أن جمعيات الرفق بالحيوانات تواصل نضالها ووقفاتها الاحتجاجية ضد عرض الحيوانات والحشرات المجففة للبيع، وتطالب بصيانة هذه الكائنات في متاحف لا في أسواق.

في مواجهة نصف النهائي من كأس الأمم الإفريقية 2002 بين الكاميرون ومالي، كان توماس نكونو مدرب حراس مرمى المنتخب الكاميروني بطلا للمواجهة، فقد شاهد أحد أفراد الشرطة يلقي بمواد لزجة على أرض الملعب قبل بداية المواجهة، فحاول منع الشرطي لكن تم اعتقاله لدقائق بتهمة إهانة موظف عمومي أثناء القيام بمهامه.

وفي مباراة أخرى بين المنتخبين اتهم الماليون نظراءهم الكاميرونيين بالسحر، وقدموا شكوى رسمية للجنة المنظمة والاتحاد الإفريقي، تم رفضها بشكل قاطع لأنه لا يوجد بند لعقوبات تخص السحر والشعوذة لدى الاتحاد الإفريقي.

في رحلة مع منتخب الشبان إلى الكاميرون، هرع كبير كهنة المدينة إلى فندق البعثة المغربية ليعرض خدماته على رئيس الوفد، ويعبر عن استعداده لتوزيع تعاويذ سحرية يتجاوز مفعولها المنشطات المحظورة. ظل الرجل الملفوف في عباءة بألوان غير متناسقة، يعرض خدماته كنادل يقدم ما توفر من وجبات، لكنه قوبل بالرفض.

أحيانا يلجأ رؤساء البعثات الرياضية إلى الحيلة كي يتخلصوا من دجالي الكرة الذين يرابطون قرب الفنادق، ومنهم من يوهمهم بأن الوفد يضم راقيا مهمته تأهيل اللاعبين ذهنيا لمواجهة خلطات تدفن عادة في معترك العمليات، ومنهم من يدس في جيوبهم بضع دولارات اتقاء شرهم، ويؤكدون لهم بأن لاعبيهم محصنون يأتي إليهم جني الكرة ولا يستطيع اختراقهم فيعود مكسور الوجدان إلى ولي نعمته.

لكن لا بد من الاعتراف بوجود دجالين في ملاعبنا، بل إن العديد من المسؤولين عن فرقنا يؤمنون بأن شرف النادي لا يسلم من الأذى، إلا إذا أريق على جوانبه الدم، والمقصود هنا دم ديك أسود أو عنزة أو تيس، وكل ما من شأنه إزالة «لعكس» من المرمى والقطع مع الهزائم على الأقل في عقر الدار.

البعض يذهب إلى أبعد من ذلك فيقدم «المرفودة» قربانا لأقرب ولي «صالح» للانتصارات، والبعض ينتدب سرا ضمن طاقمه راقيا يتردد عليه كل لاعب لا تطاوعه قدماه.

لم يعد دجال الكرة حكرا على إفريقيا جنوب الصحراء، فكثير من نجوم بطولتنا يحملون تعويذة تمتص الاستعصاء وتمنح الانفراج، أو هكذا يبدو لحاملي «جواز الدجل»، لكن غالبا ما ينقلب السحر على الساحر.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى