سبر أغوار قراءة ماكرونية
بيير لوي ريمون
إذا استثنيا الجنرال دوغول الذي لم تترك له الظروف خيارا آخر، لا نجد في تاريخ الجمهورية الخامسة رئيسا فرنسيا أدلى بدلوه في شؤون الجزائر أكثر من إيمانويل ماكرون. وسيأتي كثيرون للقول إن تصريحات الرئيس الفرنسي بشأن الجزائر اختلفت الى درجة أنها تناقض نفسها.
فمن وصفِه الاستعمار الفرنسي بالـ«جريمة ضد الإنسانية»، إلى تقديمه للحركيين اعتذار الجمهورية الفرنسية الرسمي، مرورا بتحديد متى نشأت الأمة الجزائرية، ومتى لم تكن قد تبلورت بعد، فضلا عن وصفه النظام الجزائري بالـ«متعب»، وإقامة النظام ذاته علاقة «ريعية» بينه وبين الذاكرة، يكاد لا يجد المرء في الأمر خيطا ناظما.
في هذه الحالة، يجب التذكر بأن نمط تفكير الرئيس الفرنسي معقد، والتذكر في الوقت نفسه بأن تطبيق فكر معقد على موضوع معقد مثل «موضوع الجزائر» ليس عيبا. فموضوع الجزائر ثلاثي الأبعاد، على الأقل: هناك البعد التاريخي، والبعد السياسي، والبعد النفسي. الأبعاد الثلاثة متضافرة متناسقة، لكن أيضا متصادمة.
قد يقول قائل إن البعد التاريخي يجب أن يترك للمؤرخين، صحيح. وصحيح أن من منظور بحث، ليس من صلاحيات رئيس أن يحدد متى بدأت الأمة ومتى لم تبدأ.. نحن هنا أمام استراتيجية تواصل جديدة: استراتيجية الرئيس – المواطن الذي يعطي رأيه.
والقول إن «الأمة الجزائرية» تبلورت أثناء الكفاح الوطني من أجل التحرر من الاستعمار ليس عيبا، هكذا على كل حال قرأت كلام الرئيس الفرنسي، وليس على نمط يرجع للاستعمار الفرنسي فضل نشأة الأمة الجزائرية.
أما عن حديث ماكرون عن استخدام الذاكرة «ريعا» يغذي خطابا متواترا عن الاستعمار جامدا لا يتحرك، فليس في الأمر عيب، لأن البقاء في زج موضوع الاستعمار زجا في زمن لم يعد الاستعمار منه، عقبة فكرية تمنع من تحقيق التحول المنشود الذي يقر بمأساة وصفها الرئيس نفسه بجريمة ضد الإنسانية، لكنها في الوقت ذاته تاريخ مشترك يحمل الجانبان وزره، والبقاء معه في التلويم لا يؤخر ولا يقدم.
ربما صدم الرئيس الفرنسي، لكنه لم يهن. أما الحديث عن النظام العسكري المتعب، فأمر يشاطر فيه الرئيس الفرنسي جزائريون كثيرون.
صحيح، ليس لأي كان صلاحية الحديث باسم أمة ليس من أبنائها، لكن حرية التعبير تضمن لأي كان، وإن كان رئيسا، فرصة التواصل والتعقيب والتشخيص.