يونس السيد
مع احتدام المنافسة الدولية، لبسط الهيمنة والنفوذ على العالم، بدأت تظهر ملامح ساحة جديدة للصراع؛ محورها القواعد العسكرية سبيلا للتوسع والسيطرة، لفرض الهيمنة، وحماية مصالح الدول، خصوصا بين الصين والولايات المتحدة.
ومع تعاظم القدرات الاقتصادية والعسكرية للصين، وسعيها إلى إثبات وجودها في الساحة الدولية، لم يعد الأمر يقتصر على احتمالات اندلاع حرب تجارية واقتصادية فحسب بينها وبين الولايات المتحدة؛ إذ باتت العوامل الأمنية والعسكرية أكثر أهمية، أولا لأن كل طرف يسعى إلى حماية مصالحه الاستراتيجية، وثانيا لأن كل طرف يريد إثبات قوته، وتأكيد مكانته في الساحة الدولية في ظل المتغيرات الجارية لتشكيل نظام عالمي جديد. على هذه الخلفية، دخلت الصين في سباق إقامة القواعد العسكرية، والتوسع في بناء هذه القواعد على امتداد الساحة العالمية لضرورات أمنية واقتصادية.
فالصين التي تدرك أنها باتت محاصرة بالقواعد والأحلاف الأمنية والعسكرية، خصوصا حول تايوان بؤرة الصراع الأساسية بالنسبة إليها، وفي بحر الصين الجنوبي والمحيطين الهادي والهندي، لم يعد أمامها سوى البحث عن إقامة قواعد عسكرية في الخارج، للإفلات من هذا الحصار، وتأمين مصالحها الحيوية. ومع أن الصين ليس لها باع طويل في هذا المجال، مقارنة بالولايات المتحدة التي تنشر قواعد عسكرية على مساحات واسعة من العالم، بينما لا تمتلك الصين سوى قواعد قليلة؛ أبرزها في كوريا الشمالية، إلا أنها بدأت تحقق خطوات مهمة في هذا المجال، بعضها يمثل اختراقا لمناطق النفوذ الغربية، كما هي الحال في إفريقيا وجزر سليمان الواقعة في المحيط الهادي والتي وقعت معها اتفاقية أمنية وسط مؤشرات على إقامة قاعدة عسكرية فيها، لكن يبقى الأهم هو المنافسة الدائرة في القارة الإفريقية؛ إذ من المعروف أن الصين حديثة العهد في إفريقيا، ولديها قاعدة في جيبوتي مخصصة لحماية مصالحها الاقتصادية من دون وجود أي مؤشر على استخدامها، لتحقيق أطماع توسعية بالنظر إلى طبيعة تسليحها، لكن الصين باتت مرشحة بحسب الخبراء، لإقامة سبع قواعد جديدة في دول إفريقية أخرى خلال السنوات القليلة القادمة، وهذا مهم في إطار التنافس المحموم بين الرباعي الدولي الذي يسعى إلى الهيمنة على القارة السمراء، وهو الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والصين.
ومعروف أيضا أن الولايات المتحدة لديها قواعد عسكرية، إلى جانب مقر للقيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا «أفريكوم»، لمراقبة أنشطة روسيا والصين على وجه التحديد، بينما أوروبا هي صاحبة نفوذ تقليدي في القارة، كما أن روسيا تمتلك علاقات تاريخية مع كثير من دول القارة، وزاد من تأثير هذه العلاقات، انتشار قوات «فاغنر» الخاصة في نحو 13 بلدا إفريقيا، فيما الصين بدأت تدخل في صلب المنافسة المحمومة، خصوصا مع تعاظم التقارب الروسي الصيني، وإمكانية توظيف «فاغنر» في خدمة مصالح الطرفين. وبالمحصلة بات ينظر إلى الصين على أنها منافس قوي يخطط لنشر المزيد من القواعد العسكرية في عدة قارات، وسط تحذيرات أمريكية من تمدد صيني، يهدد جديا نفوذ ومصالح الغرب خلال السنوات القليلة المقبلة.