في ساعة مبكرة من صباح يوم الأحد 20 يناير 2013، عقدت العزم رفقة صديقي حبيب الله، رئيس الجالية المغربية في جنوب إفريقيا، وصديقه مراد المغربي، المقيم في جوهانسبورغ العاصمة الاقتصادية لجنوب إفريقيا، على التوجه إلى مدينة ديربان الجنوبية، لمتابعة مباراتي المنتخب المغربي لكرة القدم ضد الرأس الأخضر وجنوب إفريقيا، برسم نهائيات «كان 2013».
تمددت في المقعد الخلفي للسيارة البريطانية الصنع، فالمقود يوجد على اليمين، على غير ما ألفناه في سياراتنا، علمت أن المسافة الرابطة بين جوهانسبورغ وديربان تتجاوز خمسمائة كيلومتر، على الطريق السيار بتكلفة أداء تتجاوز عشرين دولارا.
في شوارع جوهانسبورغ الفسيحة تعيش أجواء بريطانيا بكل تفاصيلها، في أسواقها كل البضائع المعروضة تشم فيها رائحة السوبر ماركت البريطاني، وحين تغادر المدينة وتشرع عجلات السيارة في طي المسافات تعود إلى إفريقيا بجبالها وقراها وأهاليها، الذين لم تنجح الوصفات البريطانية في تغيير نمط عيشهم الخلوي.
داهمني سلطان النوم وبين الفينة والأخرى أعلن حضوري في نقاش جانبي بين حبيب الله ومراد، لا يخلو من حديث عن معارك المغاربة في هذا البلد ضد أعداء الوحدة الترابية، حبيب الله ومن طول مقامه في هذا البلد أصبح يعرف جيدا أسماء المسؤولين السياسيين المعادين لقضيتنا الوطنية، وأسماء المتعاطفين مع بلدنا.
لا يمكن لحبيب الله أن يتحدث عن هذه المعارك دون أن يغوص في الحياة الخاصة للموالين للجزائر، خاصة أولئك الذين يقضون إجازاتهم عند الجارة وينعمون بالديباج والحلي والحلل.
في عز القلق تداهمك صور الزعيم الجنوب إفريقي نيلسون مانديلا بتقاسيمه الحزينة، في لوحات إشهارية لا أعرف سر إقحام رجل السياسة فيها، فتؤمن بأنك مناضل ضد نظام أبارتايد آخر يمارس عنصرية أخرى.
في منتصف الطريق سيقترح علينا مراد ولوج دولة في قلب دولة جنوب إفريقيا، دولة كاملة الأركان: شعب وعلم ونشيد وطني ونظام حكم وتاريخ وجغرافيا.
دولة ليسوتو التي تسكن في قلب جنوب إفريقيا، غصبا عنها، لا يحدها بلد آخر غير «سوت أفريكا»، قال مراد هذه فرصتنا لزيارة دولة غريبة في قلب دولة «ربيبة».
رد حبيب الله: أنا أحب هذا البلد، لأن نظام الحكم فيه ملكي دستوري.
أقنعنا السائق مراد بأنه بإمكاننا دخول ليسوتو لتوفرنا على إقامة في جنوب إفريقيا، فرحبنا بالفكرة، ثم شرع في البحث عن آلة تصوير كانت تحت كرسي القيادة، لكل غاية صالحة.
يقال إن تأشيرة دخول ليسوتو أصعب من حيث مساطرها من تأشيرة «شنغن»، وهي من أقل الدول زيارة من بين العرب، ربما يشعرون فيها بالاختناق، لأنها مغلقة ومنغلقة أيضا. توقفنا عند حدود بلا حواجز ولا متاريس ولا رجال أمن، فقط علامة قف بالقرب من مكتب صغير بجوار محطة وقود تنزل من سيارتك وتتوجه إليه وتسجل بياناتك في سجل، ثم تؤدي إتاوة للرجل الذي كان منهمكا في مراجعة درس مع ابنه الصغير داخل المكتب.
قضينا ساعتين في منطقة جبلية توقفنا عند شلال صغير، شعرنا بالاختناق، لأننا في البلد الذي توجد كل مدنه فوق سطح البحر بما لا يقل عن ألف وخمسمائة متر، للأمانة دولة ليسوتو من الدول الجميلة بطبيعة خلابة عذراء، وسكان طيبين لا يبالون بالسائح ولا يتعقبون خطاه، ولا يلعبون دور المرشد السياحي.
لكن على امتداد ساعتين لم أشاهد وأنا أمسح بعيني البساط الأخضر لهذا البلد من خلف زجاج السيارة ملعبا يركض فيه الأطفال، لم أصادف كرة أو حذاء رياضيا أو قميص منتخب ليسوتو، فتبين لي أن إنجلترا التي اخترعت كرة القدم لم تفلح في زرع اللعبة في وجدان هذا الشعب، بالرغم من سنوات الاحتلال.