يونس جنوحي
ثلاث سنوات سجنا في حق رئيس فرنسا الأسبق نيكولا ساركوزي.
هذا القرار الذي أصدرته محكمة الاستئناف في باريس صباح أمس الأربعاء، لا بد أنه كان صفعة قوية لكل أنصار الرئيس السابق ومعجبيه الذين أوصلوه إلى الحكم سنة 2007.
يحدث هذا كله في وقت تعيش فرنسا أسوأ أيامها، على إيقاع الاحتجاجات والمظاهرات والنقاش العمومي بخصوص حالات التدخل العنيف لتفريق المُحتجين ومزاعم تعرض أمنيين لاعتداءات على يد المتظاهرين ضد إصلاح قانون التقاعد.
ساركوزي كان أحد أسوأ رؤساء الجمهورية الفرنسية. يحتل الرتبة الثالثة والعشرين في ترتيب رؤساء الجمهورية، ولاحقته، بمجرد مغادرته القصر الرئاسي سنة 2012، تُهم فساد أبرزها تلقيه أموالا من القذافي لتمويل حملته الانتخابية.
ساركوزي شن حربا عنيفة ضد المهاجرين في فرنسا رغم أنه شخصيا ينحدر من أسرة مهاجرة، لكنه حاول إخفاء أصوله البلغارية قدر الإمكان أثناء خطاباته الحماسية التي علّق فيها كل مشاكل فرنسا على المهاجرين المغاربيين على وجه الخصوص.
الحكم بالسجن ثلاث سنوات، الذي اعتبرته الصحافة الفرنسية حُكما غير مسبوق، في حق ساركوزي، يعني أنه لن يستطيع أبدا خوض غمار الانتخابات الرئاسية مُستقبلا، أي أنه صار محروما من حقوقه المدنية. ولم تشفع له علاقاته عندما كان وزيرا سابقا للداخلية الفرنسية، ما بين سنوات 1993 و1995، في أن يتجنب حُكم مرحلة الاستئناف، رغم أن بعض الصحافيين الفرنسيين كانوا يكتبون سابقا أن ساركوزي «بسبعة أرواح» وأنه سوف يخرج من عُنق الزجاجة، ويتخلص من اتهامات الفساد التي لاحقته لإحدى عشرة سنة كاملة دون أن يزج به أي قاض فرنسي في السجن.
ساركوزي، الحليف السابق للولايات المتحدة الأمريكية في أوروبا، كان يسبح ضد التيار الذي تقوده أنجيلا ميركل في ألمانيا، خصوصا في مرحلة الحرب الأمريكية على العراق.
أول وأعنف هزيمة سياسية تلقاها ساركوزي في شبابه كانت على يد الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، أكبر صديق وحليف للمغرب.
إذ إن ساركوزي عندما كان وزيرا للداخلية، دعم مُنافس شيراك، وغادر منصبه بعد هزيمة حليفه في الانتخابات، لكنه عاد إلى منصبه سنة 2002، ليتسلق بإصرار إلى أن أصبح رئيسا للفرنسيين.
اتهامات تلقيه لأموال من القذافي لتمويل حملته الانتخابية لم تكن مجرد إشاعات للنيل منه سياسيا، بل حاصره المُحققون منذ 2012 بآلاف الوثائق والتصريحات التي أدلى بها، والزيارات الرسمية وغير الرسمية لعدد من البلدان واللقاءات مع بعض الشخصيات المؤثرة سياسيا واقتصاديا في أوروبا والشرق الأوسط. ومن بين الأمور التي لم يستطع محاموه الإدلاء بما يفندها، علاقته المشبوهة مع أسماء مقربة من القذافي، بينهم فرنسيون «سيئو السمعة» كما تصفهم وثائق المحققين.
خلال فترة حكم ساركوزي تدنت شعبية مؤسسة رئاسة الجمهورية كثيرا، وعلّق الفرنسيون ساخرين على الكثير من قراراته، لكنهم لم يخرجوا ضده كما خرجوا اليوم ضد سياسات الرئيس ماكرون.
ورغم أن ساركوزي عبّر أكثر من مرة عن آراء لم يتفق معه فيها حتى الذين أوصلوه إلى الرئاسة عبر الصناديق، إلا أن الحملة ضده لم تكن بالعنف الذي يرفض به الفرنسيون اليوم إجراءات الرئيس الحالي ماكرون.
حُكم بالسجن ضد رئيس جمهورية أسبق بعد أكثر من 15 سنة على مغادرة الحياة السياسية، لا يعني سوى تحقيق للعدالة التي يضعها الفرنسيون شعارا لجمهوريتهم. وعلى الذين يحكمون فرنسا الآن، أن يستخلصوا العبر، خصوصا وأن ساركوزي أغضب الفرنسيين بالعبارات نفسها التي عادت اليوم إلى منصات الخطابة.