للمرة الثانية، أصدرت المحكمة الدستورية قرارا يقضي برفض القانون التنظيمي رقم 15. 86 المتعلق بتحديد شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون، بسبب عدم مطابقته للدستور، لكن هذه المرة أقرت المحكمة اجتهادا غير مسبوق، يتعلق برفض القانون، بسبب عدم المصادقة عليه من طرف المجلس الوزاري برئاسة الملك محمد السادس.
وأوضحت المحكمة أنها صرحت سابقا بموجب قرارها 70/18 الصادر في 16 مارس 2018، وعلى النحو المقرر في منطوقه، بعدم مطابقة بعض مواد القانون التنظيمي رقم 15. 86 للدستور، في الصيغة التي عرضت به على المحكمة آنذاك، ولم تقض بفصل تلك المواد عن مجموع النص المعروض، حال ذلك دون إصدار الأمر بتنفيذه، مما لا يمكن معه الاعتداد بأثر الإجراءات التي اتبعت سابقا، من أجل إقراره، بل تعين، ترتيبا لأثر قرار المحكمة الدستورية، مباشرة المبادرة التشريعية بشأن القانون التنظيمي المذكور واتباع الإجراءات المقررة دستورا، لوضعه من جديد.
وأشار قرار المحكمة الدستورية إلى أن القانون التنظيمي المعروض على نظر هذه المحكمة، وهو نص جديد تبعا لما سبق بيانه، لا ينحصر في ترتيب أثر قرار المحكمة الدستورية على نص سبق لها البت فيه، أو في مجرد ملاءمة مقتضيات سبق لها أن صرحت بعدم مطابقتها للدستور، بل يشمل، من بين صور أخرى، إمكانية استحداث مقتضيات جديدة محل التي صرحت المحكمة بمطابقتها أو عدم مطابقتها للدستور، أو تعديل تلك المقتضيات، ولا يتقيد المشرع، في كل ذلك، علاقة بالقانون التنظيمي المعروض، إلا بضوابط ثلاثة، أولها أن لا يتعدى النطاق الموضوعي للقانون التنظيمي أو يقصر عن التشريع فيه، على النحو المقرر، ما يتطلب التقيد باتباع الإجراءات التي أقرها الدستور لوضع مشاريع القوانين التنظيمية.
وأبرزت المحكمة أن الدستور ينص في الفقرة الأولى من الفصل 48 وفي الفصل 49 منه، بصفة خاصة، على أنه: «يرأس الملك المجلس الوزاري…»، وعلى أنه: «يتداول المجلس الوزاري في القضايا والنصوص التالية:…- مشاريع القوانين التنظيمية؛…»، وأوضحت أنه يستفاد من أحكام الدستور المستدل بها، في ترابطها وتكاملها، من جهة أولى، أن الدستور، لما خص الملك برئاسة المجلس الوزاري، رام ضمان إشرافه ورئاسته لعملية التداول بشأن مسائل، تتخذ شكل قضايا ونصوص، ذات طبيعة استراتيجية في حياة الأمة، ومنها مشاريع القوانين التنظيمية التي تندرج إلى جانب أحكام الدستور، في بناءات الكتلة الدستورية.
ومن جهة ثانية، يضيف قرار المحكمة الدستورية أن التداول مسار لاتخاذ القرار ينتهي إلى ما أفضى إليه أمره، بشأن القضية أو النص المتداول بشأنه، وأن ما يتم في إطار التداول من تقديم لعروض أو معطيات، يبقى يحمل طبيعة إخبارية وممهدة لاتخاذ القرار، ولا يقوم مقام ما استقر عليه تداول المجلس الوزاري، بشأن القضية أو النص المدروس، كما لا يقوم مقام ما يصدره الملك من تعليمات وتوجيهات سامية يقتضيها سديد نظره، بخصوص القضايا والنصوص المتداول بشأنها في المجلس الوزاري.
ومن جهة ثالثة، سجل قرار المحكمة الدستورية أن منطوق الفصل 49 استعمل، في ما يخص المسائل التي يتداول بشأنها في المجلس الوزاري مصطلحي «القضايا» و«النصوص»، مما يستفاد منه أن التداول ينصب في حالة مشاريع القوانين التنظيمية، على نصوص، ومن جهة رابعة، أنه لا يجوز مباشرة إيداع مشاريع القوانين التنظيمية، أي تلك المتأتية من المبادرة التشريعية للحكومة، بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب، دون التداول بشأنها في المجلس الوزاري، وأن مفهوم التداول لا يتوقف عند مجرد تقديم معطيات بشأن النص المعروض، بل ينصرف المفهوم في كليته وشموليته إلى اتخاذ المجلس الوزاري لقرار بشأنه.
وحسب قرار المحكمة الدستورية، يتبين من خلال الاطلاع على بيان أشغال المجلس الوزاري المنعقد بالرباط، تحت رئاسة الملك، بتاريخ 4 يونيو 2019، من جهة، أن النقطة الأولى منه انصبت على تقديم «وزير العدل عرضا حول ترتيب الآثار القانونية على قرار المحكمة الدستورية رقم 70/18 الصادر في 6 مارس 2018 بشأن القانون التنظيمي رقم 15. 86، المتعلق بتحديد شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون»، ومن جهة أخرى، أن بيان الأشغال المتعلقة بمشاريع النصوص التي تمت المصادقة عليها من قبل المجلس، لا تتضمن مشروع القانون التنظيمي المعروض، كما أن المعطيات نفسها وردت في البلاغ الذي تلاه الناطق الرسمي باسم القصر الملكي، بشأن أشغال المجلس الوزاري المشار إليه.
وأضاف القرار أنه يتبين من باقي وثائق الملف أن مشروع القانون التنظيمي المعروض تم إيداعه بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب في 16 فبراير 2022، رغم عدم وروده ضمن قائمة مشاريع النصوص التي صادق عليها المجلس الوزاري، وخلص قرار المحكمة الدستورية إلى أنه «ما كان يتعين إيداع مشروع القانون التنظيمي المعروض، بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب، قصد تداول مجلسي البرلمان بشأنه، قبل استكمال أمر التداول في المشروع المذكور من قبل المجلس الوزاري»، وتبعا لذلك، تكون الإجراءات المتبعة لإقرار القانون التنظيمي المعروض غير مطابقة للدستور.
محمد اليوبي