شوف تشوف

شوف تشوف

زيد الشحمة

إحدى أكبر الوزارات تجسيدا لآفة الظلم الاجتماعي هي وزارة الأسرة والتضامن التي تقودها الحقاوي وزوجة الخلفي وزير الاتصال.
ففي الوقت الذي يصارع فيه عمال وعاملات النظافة والحراس الذين يشتغلون في الوزارة من أجل الحصول على رواتبهم من الشركة التي تعاقدت معها الوزارة، نرى كيف أن الوزيرة لم تجد حرجا في توقيع صفقة لشراء سيارات خدمة جديدة، ضاربة عرض الحائط دورية رئيس الحكومة حول ترشيد النفقات، والمصيبة هي أن هذا الأخير الذي كنا نترجى بركته دخل الجامع ببلغته. فعوض أن ينبه وزيرته لهذا التبذير الذي لا داعي له، خصوصا وأن الحكومة على بعد بضعة أشهر فقط من نهاية ولايتها، أشَّر عبد الإله بنكيران لبسيمة الحقاوي، وزيرة الأسرة والتضامن والتنمية الاجتماعية، لشراء خمس سيارات جديدة، لتنضاف إلى أسطول سيارات الوزارة.
وهكذا فإن الوزيرة الحقاوي صرفت 69 مليون سنتيم، على السيارات الجديدة التي اقتنتها، في 24 يوليوز الماضي، حيث وقع مصطفى مجذوبي، مدير الموارد البشرية والميزانية والشؤون العامة، وثيقة تحويل مبلغها الإجمالي، إلى الشركة التي اقتنتها منها، ويوجد مقرها في الدار البيضاء.
ووفق وثيقة الشراء، فإن بسيمة الحقاوي اقتنت ثلاث سيارات بقيمة 375 ألف درهم دون احتساب الرسوم، وسيارتين من نوع آخر بمبلغ 200 ألف درهم دون احتساب الرسوم، ليصل مجموع ما صرفته الوزارة على السيارات التي تم اقتناؤها بمبرر دعم أسطول النقل الخاص بالوزارة، وتمكين الموظفين من القيام بمهامهم، 575 ألف درهم، دون احتساب الرسوم، وهو ما يتعارض مع شعارات الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية، التي ترجمها عبد الإله بنكيران رئيسها، قبل سنة إلى منشور من تسع صفحات، يهم تشديد المراقبة على استعمال سيارات الدولة، ويتضمن إجراءات غير مسبوقة في ضبط شراء وكراء واستعمال سيارات الدولة، وأيضا تصنيف السيارات وفق الرتب والمسؤوليات وتحديد سقف مالي أقصى لكل صنف من أصنافها، مع إلزام الوزراء بتقديم تقرير سنوي في الموضوع.
ولعل ما قامت به وزيرة الأسرة والتضامن، التي توشك أسر عاملات النظافة لديها على الانفجار بسبب تأخر صرف رواتبهن لستة أشهر، يكشف زيف شعارات الترشيد، خصوصاً أن الوزيرة عملت على اقتناء السيارات الخمس، في الأشهر الأخيرة من قانون المالية الحالي، إلى درجة أن الموظفين في وزارة الأسرة والتضامن والتنمية الاجتماعية، تفاجؤوا بعد وصول السيارت الخمس، بتوزيعها على موظفين بعينهم في الوزارة ذاتها، وهي العملية التي أشرف عليها العربي الثابت، الكاتب العام للوزارة، المقرب من الوزيرة الحقاوي، إذ منحها لعبد الصمد العمراني، مدير مديرية التنمية الاجتماعية، ورشيد الكنوني، مدير مديرية النهوض بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، ومحمد أيت عزيزي، مدير مديرية حماية الأسرة والطفولة والأشخاص المسنين، فيما لم يستفد كل من مصطفى مجذوبي، مدير الموارد البشرية والميزانية والشؤون العامة، وفاطمة بركان، مديرة مديرية المرأة، لأنهما يستعملان سيارتي الخدمة القديمتين.
السيارات الخمس الجديدة ستوزع على المدراء الثلاثة الذين تم ذكرهم، في وقت لم يحسم بعد العربي ثابت، الكاتب العام للوزارة ذاتها، والذي أشرف على توزيع «كعكة» السيارات، إلى من ستعود الرابعة والخامسة.
والمثير في عملية شراء السيارات الخمس في السنة الأخيرة للولاية الحكومية، هو أن هؤلاء الموظفين يستفيدون من تعويضات، تدمج لهم بشكل شهري في مرتباتهم، وفق ما جاء به المرسوم رقم 2.97.1052 الصادر في 4 شوال 1418 (2 فبراير 1998)، والقاضي بإحداث تعويض جزافي، لفائدة بعض موظفي ومستخدمي الدولة عن استعمال سياراتهم الخاصة لحاجات المصلحة، إذ وفق ما تنص عليه المادة الأولى منه، فإنه يستفيد مديرو الإدارة المركزية وأعضاء دواوين أعضاء الحكومة، والمكلفون بالدراسات ورؤساء الأقسام ورؤساء المصالح، والموظفون المعتبرون في حكمهم، من تعويض جزافي عن استعمال سياراتهم الشخصية، لحاجات المصلحة، فيما توضح الفقرة الثانية من المادة نفسها، أنه يصرف التعويض المذكور، بصفة انتقالية، إلى الموظفين والمستخدمين المشار إليهم، في الفقرة السابقة، غير المتوفرين على سيارات شخصية.
وبالرجوع إلى المادة الثالثة من المرسوم ذاته، فإن المبالغ الشهرية للتعويض المنصوص عليه في المادة الأولى، والتي يمكن لمدير الإدارة المركزية، ومن في حكمه، تساوي ثلاثة آلاف درهم، فيما يستفيد عضو ديوان الوزير والمكلف بالدراسات ورئيس القسم ومن في حكمهم، من تعويض قدره ألفا درهم، أما رئيس مصلحة ومن في حكمه، فتعويضه بناءً على ما تمت الإشارة إليه في المادة الأولى، هو ألف و250 درهماً. ويمنح التعويض الجزافي المذكور لتغطية المصاريف المدفوعة في مزاولة المهمة، أو تقلد المنصب، المرتبطة باستعمال السيارة الشخصية أو بمصاريف نقل الموظف أو المستخدم المعني بالأمر، فيما أوردت المادة الرابعة من المرسوم ذاته، أن التعويض المشار إليه، يؤدى في نهاية كل شهر، ويمنح بقرار للوزير المعني بالأمر، وينتهي صرفه وفق الكيفية نفسها، عندما تنتهي مزاولة المهام أو تقلد المنصب الذي يمنح من أجله.
المشكل هو أن ما أقدمت عليه وزارة بسيمة الحقاوي، يتعارض كلياً مع شعارات الحكومة في هذا الباب، فهي ترفع شعارات تبرز من خلالها أنها تتبع سياسة التقشف، وتحاول ما أمكن تقليص مصاريف الدولة، غير أن ما جرى في وزارة الحقاوي التي اقتنت سيارات، ومنحتها لموظفين، هم في الأصل يستفيدون من تعويضات جزافية تغنيهم عن استعمال سيارات الوزارة، يثبت عكس ما يدعو إليه المنشور الصادر أخيراً، والذي يمنع مسؤولي الدولة وموظفيها، من الجمع بين التعويض عن التنقل ووضع سيارة رهن إشارته، وحدد تصنيف السيارات وسقف ثمنها، إذ نص على أنه لا يمكن أن يتجاوز ثمن سيارات الوزراء الأقصى وهي الأغلى، 450 ألف درهم، فيما حدد مبلغ 350 ألف درهم كثمن أقصى لسيارات الكتاب العامين ومدراء المؤسسات العمومية، ومبلغ 300 ألف درهم لسيارات رؤساء الدواوين و120 ألف درهم بالنسبة إلى سيارات المأموريات من حضور الاجتماعات وما شابهه، وهو الرقم المتجه تناقصيا حتى استعمال الدراجات النارية المملوكة للدولة.
ويبدو أن المنشور الذي أصدره بنكيران، بقي مجرد حبر على ورق، خصوصاً أنه وجه تعليمات صارمة للوزراء بعدم التساهل في الموضوع، وشدد على أنه لا ينبغي نقل أفراد غير عاملين بالإدارة بالسيارات الوظيفية، وأن سائق السيارة عليه التوفر على وثائق تهم الوجهة وطبيعة الراكبين معه، وعددهم ووظيفتهم، وهو نفس الأمر بالنسبة لأي تزود بالبنزين أو الصيانة.
كل هذا قفزت عليه مدام الحقاوي التي يستفيد سائق سيارة الكاتب العام لديها من سيارة هو الآخر، ويركنها بالقرب من بيته لما يقله في الصباح إلى العمل، فيما يرجع ليأخذها مساءً، على الرغم من أن إطاره مساعد تقني، لا حق له في سيارة الخدمة.
وإذا كانت مدام الحقاوي غير قادرة على تطبيق واحترام منشور رئيس الحكومة، فعلى الأقل كان عليها احترام مدونة الشغل، خصوصا عند اختيار شركات النظافة والحراسة للعمل مع الوزارة.
فأن يضطر عمال ومستخدمو شركة الحراسة والنظافة التي تعاقدت معها الوزارة، إلى العمل ستة أشهر بدون راتب، فهذا يعتبر استغلالا وظلما وضربا لمبادئ مدونة الشغل في قلب وزارة الأسرة والتضامن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى